صنعاء 19C امطار خفيفة

الثورة اليمنية: من الحلم الشعبي إلى إعادة إنتاج النظام

مقدمة: من الحلم إلى الهاوية

 
في العام 2011، خرج ملايين اليمنيين إلى الساحات مطالبين بإسقاط نظام علي عبدالله صالح، في مشهد بدا أنه امتداد لثورات "الربيع العربي". توحدت الشعارات، وارتفعت سقوف التطلعات، وبدت لحظة التحول الديمقراطي قريبة. لكن بعد أكثر من عقد، يجد اليمن نفسه في وضع مأساوي: حرب مفتوحة، سلطات متنازعة، وتفكك للدولة والمجتمع. فماذا جرى؟ ولماذا فشلت الثورة اليمنية في تحقيق أهدافها؟ وكيف تحولت من ثورة شعبية إلى صراع على السلطة انتهى بإعادة تدوير النظام القديم؟
 

أولًا: السياق السياسي للثورة اليمنية

 
جاءت ثورة 2011 في اليمن نتيجة تراكم طويل للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. نظام علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد منذ 1978، أقام سلطة زبائنية قائمة على التحالفات القبلية والعسكرية، وتوزيع الثروة والنفوذ على قلة من المقربين. كانت الدولة هشة، والفساد مستشريًا، والمجتمع يعيش على هامش التنمية.
 
تفاقمت الأزمات مع صعود حركة الحوثيين في الشمال، والحراك الجنوبي في الجنوب، وتزايد البطالة والفقر والانقطاع المزمن للكهرباء والخدمات، ليأتي الحراك الشعبي كتعبير عن السأم العميق من انسداد الأفق السياسي وتغوّل السلطة.
 

ثانيًا: أسباب فشل الثورة اليمنية

 
1. غياب القيادة الثورية الموحدة: افتقدت الثورة إلى قيادة سياسية ذات مشروع وطني جامع، مما سمح للأحزاب التقليدية باحتواء زخم الشارع.
 
2. الالتفاف بالمبادرة الخليجية: منحت المبادرة الخليجية الحصانة لصالح، وكرّست تقاسم السلطة بين النظام والمعارضة، بدلًا من التغيير الجذري.
 
3. انقسام المؤسسة العسكرية: انشقاق الجيش (بين معسكر علي محسن وصالح) منع بناء جيش وطني يحمي المسار الثوري.
 
4. تضارب أجندات القوى الثورية: تنوع المشاريع (إسلاميون، يساريون، حراك جنوبي، حوثيون) حال دون تشكيل جبهة وطنية موحدة.
 
5. التدخلات الخارجية: لعبت السعودية والإمارات دورًا في توجيه المرحلة الانتقالية بما يخدم مصالحهما الأمنية، لا مصالح الثورة.
 

ثالثًا: صعود المعارضة إلى السلطة ثم انهيارها:

 
بعد تنحي صالح، تم تشكيل حكومة وفاق وطني من المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك. لكن:
لم يُمسك الثوار بالسلطة الفعلية، إذ بقيت مؤسسات الدولة تحت سيطرة النظام القديم.
فشلت حكومة الوفاق في إنجاز ملفات الأمن والاقتصاد والمصالحة.
المؤتمر الوطني للحوار أنتج وثيقة طموحة لكن دون قوة لتنفيذها.
في 2014، تحالف الحوثيون مع صالح وأطاحوا بالعاصمة صنعاء.
وهكذا، تحولت الثورة من مشروع تغيير إلى أزمة سياسية بين النظام ومعارضيه، وانتهى المسار بانهيار الدولة.
 

رابعًا: ما بعد الثورة – الحرب وإعادة إنتاج النظام:

 
سيطرة الحوثيين على صنعاء خلقت سلطة أمر واقع استبدادية مدعومة من إيران.
التحالف العربي بقيادة السعودية تدخل لدعم "الشرعية"، لكنه ساهم في تمزيق اليمن أكثر.
ظهرت قوى جديدة في الجنوب مثل المجلس الانتقالي، بعضها مدعوم خارجيًا، لا علاقة له بالثورة.
اختفت أحزاب المعارضة عن المشهد، وعادت شخصيات من النظام القديم للسلطة بشكل مباشر أو غير مباشر.
في النتيجة، فشلت قوى الثورة في التحول إلى قوة حاكمة، فيما نجح النظام القديم في إعادة إنتاج نفسه عبر تحالفات وأدوات جديدة.
 

خاتمة: الثورة التي وُئدت في مهدها

 
لم تسقط الثورة اليمنية بفعل خصومها فقط، بل بسبب فشل ذاتي في التنظيم والقيادة والرؤية. تم احتواؤها وتسويفها، وانتهت بإعادة إنتاج النظام الذي ثارت عليه. لكن رغم هذا الإخفاق، لا تزال لحظة 2011 علامة فارقة في وعي اليمنيين، وكسرًا لحاجز الخوف، وستظل حاضرة كذاكرة مقاومة، تنتظر جيلًا جديدًا يحمل الشعلة من جديد.
 

دروس مستفادة:

 
لا تنجح الثورات دون تفكيك بنية النظام لا فقط تغيير رموز.
 
التحولات الديمقراطية لا تُمنح من الخارج بل تُنتزع من الداخل.
 
غياب المشروع الوطني يفتح الباب أمام الفوضى أو عودة الاستبداد.
 
لا تكفي اللحظة الثورية، بل تحتاج إلى رؤية واستراتيجية طويلة النفس.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً