صنعاء 19C امطار خفيفة

حرب إيران وإسرائيل صراع مفتوح بحدود محسوبة

2025-06-16

منذ اندلاع شرارة المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من عدم اليقين، يتجاوز البعد الأمني إلى قلب معادلات الاقتصاد والتحالفات الدولية هذه الحرب التي طالما دارت معظمها في الظلال عبر الوكلاء والضربات غير المُعلنة، خرجت إلى العلن بضربات دقيقة ورسائل صريحة، تنذر بتصعيد غير مسبوق.

 
لكن هذه الحرب لم تكن مفاجئة في جوهرها بل جاءت نتيجة لتراكمات طويلة من الصراع الإقليمي. فإسرائيل التي تنظر إلى المشروع النووي الإيراني كتهديد وجودي، سعت طوال السنوات الماضية إلى تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن وتحركها المباشر اليوم من منطلق جديد ترى أن الردع التقليدي لم يعد مجديًا، وفي نظرها أن سلوك إيران تجاوز الخطوط الحمراء في المقابل تجد طهران في هذه المواجهة لحظة مؤاتية، مستفيدة من انشغال القوى الكبرى في حروب أوكرانيا وآسيا، ومن تراجع الثقة في قدرة الغرب على فرض حلول متوازنة.
 
الاختلاف الجوهري في هذه الجولة من المواجهة، أنها لم تعد محصورة في الحروب بالوكالة. إيران قصفت مواقع إسرائيلية بصورة مباشرة، وتبنت ذلك سياسيًا أما إسرائيل فقد كثّفت من عملياتها النوعية داخل العمق الإيراني، أو ضد قيادات محسوبة عليه في سوريا والعراق واليمن و لم يعد الصراع على الأطراف، بل بات يمس قلب النظامين السياسيين في طهران وتل أبيب 
 
ورغم عنف الضربات، إلا أن الطرفين يبدوان وكأنهما يتحركان ضمن حدود محسوبة. فإيران لم تفتح كل جبهاتها دفعة واحدة، فيما تتجنب إسرائيل توجيه ضربات قد تشعل حربًا شاملة، كاستهداف المنشآت النووية الإيرانية يعكس هذا التوازن الهش إدراكًا متبادلًا بأن تكلفة الحرب الشاملة ستكون باهظة، خاصة مع ترابط الجبهات من غزة إلى جنوب لبنان، فالعراق واليمن.
 

الانعكاسات الاقتصادية

 
تتجلى آثار الحرب على أكثر من صعيد. في إيران، تُضاف المواجهة إلى أزمة اقتصادية خانقة أصلًا، بفعل العقوبات والتضخم وهروب الاستثمار. وتراجع في قيمة العملة الإيرانية ، والمخاوف الشعبية من استنزاف طويل تتصاعد أما في إسرائيل، فقد تأثرت قطاعات الطيران والتكنولوجيا، وتراجعت مؤشرات الاستثمار، فيما تشهد الأسواق العقارية والمالية حالة من التذبذب. دفعت هذه التطورات بالحكومة إلى تعزيز ميزانية الطوارئ وتجميد بعض المشاريع الكبرى.
في الخليج، تراوحت المواقف بين التحفّظ والدعوة إلى التهدئة السعودية تقف بيجانب ايران من خلال تصاريحات الأمير سلمان الاخيره بينماالإمارات، رغم تقاربهما الأخير مع إسرائيل، لكنهما مع ذلك تبنتا خطابًا حذرًا يدعو إلى ضبط النفس، مع التأكيد على حماية أمن الخليج والمنشآت الحيوية. قطر التي حافظت على علاقات نشطة مع إيران، أبدت قلقها من تداعيات التصعيد، ودعت إلى تدخل دولي سريع. أما سلطنة عُمان فستدخل كعادتها على خط الوساطة بهدوء ودبلوماسية.
 
أوروبا من جانبها عبّرت عن مواقف أكثر وضوحًا. الاتحاد الأوروبي، رغم انشغاله بالحرب في أوكرانيا، أبدى تخوفه من اضطراب محتمل في إمدادات الطاقة، لا سيما إذا ما هُددت الملاحة في الخليج أو البحر الأحمر. فرنسا وألمانيا شددتا على ضرورة استئناف المسار الدبلوماسي في الملف النووي الإيراني، فيما تبنت بريطانيا موقفًا أكثر تشددًا تجاه طهران.
 

موقع غزة وحماس في المعادلة

 
رغم أن عنوان الحرب العريض يتموضع بين إيران وإسرائيل، إلا أن غزة، وتحديدًا حركة حماس، تمثّل ضلعًا حيويًا في مشهد الاشتباك. حماس، المرتبطة سياسيًا وعسكريًا بطهران ومحور المقاومة، بدت حذرة في تعاطيها مع المواجهة. فهي أطلقت إشارات دعم لإيران دون الانخراط في مواجهة مباشرة، وهو ما يُفسّر كتكتيك لعدم استنزاف القطاع في توقيت حساس، والإبقاء على ورقة المقاومة جاهزة إذا ما توسعت الحرب.
 
لكن هذا الحذر قد يتبدّد، خصوصًا إذا ما صعّدت إسرائيل عملياتها داخل القطاع، أو إذا طلبت طهران دعمًا مباشرًا على الجبهة الجنوبية. بالمقابل، تتعامل إسرائيل مع غزة كمسرح حسّاس لا ترغب بإشعاله حاليًا، خشية تفجّر الداخل الإسرائيلي. في هذا السياق، تراقب مصر وقطر الوضع بقلق بالغ، إذ أن انخراط غزة قد يعني نهاية أي مسار تهدئة في الأفق، وانزلاقًا نحو حرب شاملة.
السؤال المطروح الآن ليس فقط حول "من سينتصر؟" بل "ما الذي سيتبقى من الشرق الأوسط إذا طالت هذه المواجهة؟ فالحرب تبدو مفتوحة، لكنها ليست شاملة بعد.يتصارع الطرفان لكسر إرادة الآخر دون كسر التوازن، ما يجعلها أقرب إلى لعبة أعصاب منها إلى معركة وجود.
 
ومع ذلك، فإن أي خطأ في الحسابات، أو عملية اغتيال مفصلية، قد يشعل شرارة حرب لا يمكن لأي طرف احتواؤها. وإذا طال أمدها، فإن ارتداداتها ستتخطى طهران وتل أبيب، لتهزّ أسواق النفط، وممرات التجارة، وبنية الأمن الإقليمي والدولي، وربما تعيد رسم ملامح النظام العالمي القادم.
 
وفي خضم هذا المشهد المركب، يبقى سؤالان عالقان:
 هل تمضي إسرائيل في مسار الهيمنة، أم ترضخ لضغوط دولية وعربية تفتح الباب أمام سلام عادل يضمن الحقوق الفلسطينية؟
وهل تنجح القوى الدولية في تحجيم إيران كقوة أيديولوجية مهيمنة، أم تبقى طهران اللاعب الأخطر في معادلات الشرق الأوسط ومتوسعة في مناطقها الرمادية.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً