في خطوة جديدة تؤكد اتساع نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي خارج إطار مؤسسات الحكومة الرسمية، دشّن القائد العام لقوات الحزام الأمني، العميد محسن بن عبد الله الوالي، أمس وحدة "الأمن الفكري" عبر منصات التواصل الاجتماعي، بمقر القيادة العامة للحزام في عدن. وتعد هذه الوحدة، بحسب بيان التدشين، جزءاً من جهود "مكافحة الفكر المتطرف"، لكنها تثير في الوقت ذاته تساؤلات حول الأطر المؤسسية التي يعمل بها المجلس، ومدى انسجامها أو تعارضها مع مؤسسات الدولة.
مؤسسات موازية
منذ توقيع اتفاق الرياض عام 2019، بات المجلس الانتقالي الجنوبي شريكاً رسمياً في الحكومة اليمنية، لكن الواقع الميداني والإعلامي في عدن يعكس معطيات مختلفة. إذ يحتفظ الانتقالي بأجهزة أمنية وإدارية مستقلة فعلياً عن الحكومة، أبرزها قوات الحزام الأمني، التي تتبع عملياً توجيهات المجلس الانتقالي وليس وزارتي الداخلية أو الدفاع.
تدشين وحدة "الأمن الفكري" هو امتداد لهذا النمط الموازي من العمل المؤسسي. فالمنصة التي أُطلقت اليوم لا تخضع لوزارة الإعلام أو أي جهة حكومية رسمية، بل لإدارة التوجيه المعنوي التابعة للحزام الأمني، أحد أبرز التشكيلات المسلحة الخارجة عن منظومة وزارة الداخلية. وبحسب تصريح العميد الوالي، تهدف الوحدة إلى "بناء الوعي وتعزيز الانتماء الوطني الجنوبي"، وهو مصطلح سياسي يشير بوضوح إلى أيديولوجيا المجلس الانتقالي الساعية لفصل الجنوب عن الشمال.
تشير تصريحات المسؤولين في الحزام الأمني إلى أن وحدة "الأمن الفكري" ستعمل على إنتاج محتوى إعلامي "مدروس" لمواجهة "الانحرافات الفكرية"، وهي تعبيرات فضفاضة تتيح للمجلس إحكام قبضته على الخطاب الإعلامي في عدن. وهذا يأتي في سياق أوسع يشمل امتلاك المجلس لقنوات فضائية وصحف وإذاعات، ومراكز إعلامية لا تخضع لإشراف وزارة الإعلام، بل تروج لروايته الخاصة حول قضايا الحرب، والسياسة، والهوية.
وعلى الرغم من أن "مكافحة التطرف" هدف مشروع ومطلوب في ظل الظروف الراهنة، إلا أن تدشين مثل هذه الوحدة في سياق سياسي وأمني منفصل عن الحكومة يثير مخاوف من استخدامها كأداة رقابة وتوجيه فكري، تحت غطاء أمني، بما يعزز من مركزية المجلس الانتقالي ويعمّق من الانقسام المؤسسي. كما أن اعتماد الوحدة على "كادر متخصص ومدرّب" يشير إلى وجود بنية مؤسسية متقدمة لا تقل تعقيداً عن نظيرتها الحكومية، ما يكرّس واقع "الدولة داخل الدولة" في عدن.
عداء معلن للوحدة في ظل شراكة رسمية
اللافت أن تدشين وحدة "الأمن الفكري" جاء عشية الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية، وهي المناسبة التي يتعاطى معها المجلس الانتقالي الجنوبي بعدائية واضحة، ويمنع إحياءها أو حتى الإشارة إليها داخل عدن. وهو ما يضع المجلس في تناقض صارخ بين كونه شريكاً في رئاسة الدولة والحكومة، وبين رفضه الاعتراف باليوم الوطني للدولة التي هو جزء من سلطتها التنفيذية. هذه المفارقة تكشف حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية للمجلس على الأرض.
وإجمالاً يمكن القول، إن تشكل وحدة "الأمن الفكري" التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي حلقة جديدة في سلسلة الأجهزة الموازية التي يدير بها شؤون عدن. وبينما يواصل الانتقالي الترويج لنفسه كشريك في الحكومة، تشير هذه التحركات إلى مسار مختلف تماماً، يتمثل في ترسيخ سلطة أحادية في الجنوب، بعيداً عن رقابة المؤسسات الرسمية، ما يُنذر بمزيد من التعقيد في مشهد الصراع اليمني، ويجعل من تطبيع الحياة المؤسسية في عدن أمراً أكثر صعوبة.