صنعاء 19C امطار خفيفة

المهزوم الذي اخترق... والمنتصر الذي انكسر

في زمنٍ تُوزَّع فيه الألقاب كما تُوزَّع الجوائز الدعائية، نسمع عن "نصر تاريخي" هنا و"هزيمة نكراء" هناك، بينما الوقائع الصلبة تقول شيئًا آخر تمامًا: المهزوم يبدو أنه من ينهض، والمنتصر هو من يتآكل من الداخل.

 
فمن هو المنتصر حقًا؟
هل هو ذاك الذي دكّ المدن، ورفع أعلامه فوق الخراب، ثم عاد إلى بلاده يتسوّل الأمن ويمنع شعبه من الفرح لأن الظل بات يهدّده في قلب عاصمته؟
أم هو المهزوم، الذي رغم كل القصف، مازال يلد رجالًا، يخترقون حدود "المنتصر" ليس بالسلاح فقط، بل بالإرادة، وبالكرامة، وبقوة الفكرة؟
انظر إلى الحلفاء:
المنتصر تحالف مع آلات ومرتزقة، لا يجمعه بهم سوى المصالح المؤقتة. ينهار تحالفه عند أول خلاف أو عند أول هبة شعبية.
أما المهزوم، فتكاثر حلفاؤه. ليس لأنهم يطمعون، بل لأنهم يؤمنون. وجد في كل بقعة من العالم صوتًا يردد قضيته، ويحملها كواجب أخلاقي.
وماذا عن النخب؟
المنتصر قتل زعماء العدو، صفّاهم، دفنهم، لكنه لم يدفن أفكارهم.
عاد ليجدهم أكثر حضورًا وهم موتى مما كانوا عليه أحياء.
بينما المهزوم، لم يقتل، لم يقطع، بل واجه. وكان نبيلًا حتى في ضعفه، فكسب احترامًا حتى من خصومه. ومن هذا الاحترام، تُصنع سرديات البقاء.
ثم نصل للسؤال الأخطر: من يعيش حقًا؟
المنتصر الذي عاد لمدنه ليزرع الخوف، ويطارد شعبه، ويغرقه في العمالة والفقر؟
أم المهزوم، الذي رغم الحرب، مازال شعبه يزرع، يبتسم، يقاوم، ويسخر، ويكتب، ويحلم؟
ذاك الذي خسر المعركة لكنه لم يخسر نفسه.
ذاك الذي انهالت عليه القنابل، لكنه لم يتخلَّ عن إنسانيته.
المنتصر، إن لم يكن حرًّا، فلا نصر له.
والهزيمة، إن لم تكسر الروح، فلا قيمة لها.
إن أخطر أنواع "النصر" هو ذاك الذي يتحقق فوق أنقاض المجتمع. إذ يتحول المنتصر إلى سجين لوهمه، ويعيش خائفًا من لحظة الحقيقة.
بينما المهزوم يعيد ترميم ذاته من تحت الركام، ببطء، بثقة، وبصبر التاريخ.
فمن هو المنتصر إذن؟
ذاك الذي أحكم القبضة على جغرافيا ميتة؟
أم الذي زرع قضيته في كل ضمير حرّ، وجعل عدوه ينهار تحت عبء "اللايقين"؟
ليس النصر من يكتب العناوين...
بل من يكتب التاريخ.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً