صنعاء 19C امطار خفيفة

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

لا العلاج بالصدمة مجدٍ لدينا... بلادنا يتم نقلها من أزمة لأزمة تحمل في طياتها إرث سابقاتها، وتضيف إليه إرثًا لا يخلق تراكمًا يفيد، بالعكس يزداد الطين بلة، بمعنى تزايد مفاعيل ما يعانيه البلد من مشكلات ذات أبعاد سياسية، اقتصادية، أمنية، والسؤال: ترى أين يكمن الخلل؟

 
طبيعي أن من يجيب على هكذا تساؤل هو من يتنقل من وضع مأزوم لآخر أكثر تأزمًا! ️يتم تغيير الوجوه، ولا يتم التعامل من جوهر الإشكال وتراكماته السلبية.
خلال سنوات تعد بأصابع اليدين حدثت تغيرات بالشكل وليس الجوهر، من رئيس استبعد لخلل في مرئياته التي عجزت عن التصدي للمشكلات، وظل الجوهر... إدارة عجلة الأزمة بذات آلية الإحلال والاستبدال ضمن كواليس وحلقات ضيقة، وضمن واقع جيوسياسي مقعد وطنيًا وإقليميًا ودوليًا... كلام رددناه وقلناه كثيرًا، وصعب على بلدنا أن يظل مسجونًا يدور داخل ألعاب حلقات فارغة أو مفرغة.
جرى التهافت واللغط، وتم تغيير الأخ بن مبارك ومن قبله، وكلف خليفته وهو قيد حلبة الاشتباك مع جوهر الأزمة التي ما طالها علاج، ولا نالت تعاملًا تتوافر له عناصر التغلب على مكونات أزمة مزمنة ليست وليدة اللحظة، لكنها -والحق يقال- ناتج لإرث انقلابات وصراعات ولدت فقط مظاهر لا تساعد أي قادم لا يمتلك أدوات ومشارط للعلاج، لكنه يمتلك الابتسامات خاوية المعنى، ووعودًا لا وجود لها بأرض المعركة، ونقصد بذلك عورات يستمر انكشافها تعمي بصيرة من كلف بالعلاج، تتمثل بما يلي من عناوين:
تباينات في الرؤى وعدم انسجام وتفاهم حتى عند الحدود الدنيا لدى قمة الهرم، نقصد المجلس الرئاسي.
استمرار التعاطي والتعامل مع عنصر التهديد الأساسي لاستقرار البلد منعًا لعودة الدولة، والملام هنا تباينات بين قوى الشرعية، وثانيًا تراخي دور دول التحالف و الرباعية الدولية بشأن المواجهة مع من كان ومازال السبب الأساسي لأزمة البلاد، كما أن تعامل الطرف الدولي يبدو مائعًا في تعامله مع طرف الانقلاب، إذ يجد في ضعف الشرعية وتضارب العلاقات بين مكوناتها مبررًا لمواقفه المخاتلة.
نعود لإمساك خيط البداية لموضوعنا المتعلق بالتغيير لرئيس الوزراء، وما يمكن أن يتحقق جراء ذلك المسعى، والسؤال الأولى بالرعاية يبحث عن إجابات لعدة تساؤلات جوهرية على النحو التالي:
أولًا: هل كان التغيير تغيير وجوه أم كان نقدًا لنهج وأساليب عمل وآليات عجزت عن تحقيق رؤى وأهداف توافقت بشأنها رؤى القيادة، ووفرت لها الإمكانات المطلوبة... الإبحار في بحار هائجة يحتاج لقبطان ماهر ومركب سليم وبحارة على دراية ومعرفة بشؤون البحر، ناهيك عن توفر أجهزة إبحار سليمة، مع توفر ديمومة الطاقة للإبحار تحت أي ظروف.
ثانيًا: هل كان التغيير مبنيًا على تقييم موضوعي قاد لمعرفة أسباب فشل أداء السلف ضمانًا مؤكدًا لعدم فشل الخلف إن لم يقف على أرضية صلبة مدعومًا بـ:
- بيانات دقيقة عن الاحتياجات.
- بيانات دقيقة عن الإمكانات المطلوبة لعلاج الخلل وكيفية تغطية العجز.
- توافقات ذات بعد سياسي لدى قيادة المجلس الرئاسي تضمن دونما مماحكات لا تساعد المكلف ولا تؤدي فعلًا للخروج من عنق أزمة هيكلية سياسية اقتصادية مزمنة.
- ضرورة التوافق على تبني سلم أولويات لمواجهة محددة الأبعاد لمشاكل تنخر جسد الاستقرار المنشود لحياة المواطن والوطن، ونقصد هنا تحديدًا ما يلي:
- كيفية مواجهة العجز المزمن في الموارد المطلوبة، وكيفية الانتقال إلى آليات تقود لإحكام السيطرة على موارد مهدرة.
- كيفية تغطية العجز الفوري في مجالات تمس حياة الناس.
- رواتب.
- مشاكل الطاقة والكهرباء.
- محاصرة العجز بين إيرادات ونفقات ميزانية البلاد، طبعًا بعد ضرورة إعداد واعتماد ميزانية دولة متعارف عليها لدى جهات الاختصاص، لا يجري مطلقًا وتحت أي التواءات للخروج عن بنودها توريدًا وإنفاقًا.
يصعب على الكافر وليس فقط المواطن الصابر الصبور على وضع قيمة العملة الوطنية وما يصيبها بمقتل جراء تزايد ظاهرة التضخم، أي تآكل قيمتها وسمعتها، الأمر يتطلب ما هو أبعد من الإشارات إلى ممارسات ذات أبعاد سياسية للملف السياسي للبلاد، ويتبعه نظرة مستقبلية لتنمية اقتصادية حقيقية... أعرف أن الأمور معقدة، لكن البقاء ضمن منولوج النوم اللذيذ سيقود لا محالة إلى كارثة كل المؤشرات تقول إننا على عتباتها، وهو ما لا نريده لبلادنا وشعبنا مطلقًا، ولو أننا للأسف الشديد على عتباتها.
ختامًا، نتمنى لدولة رئيس الوزراء، ألا يجابه بذات المعوقات التي كانت ومازالت عناوين أزمة نرحل معها من مرحلة لمرحلة أسوأ... هل نقول معه؟ هل ستأتي الرياح بما تشتهي السفن؟ فالرجل مطالب بالكثير... وما لديه إلا القدر اليسير من الإمكانات المتعددة، أم سنظل نردد لغة غيبوبة النوم في العسل. والعسل أصلًا يا مغشوش يا معدوم يا غالي الثمن على من يرون سعر دبة الغاز تقصم الظهر... هل سنمضي رحلة أيامنا القادمات مع الأخ رئيس الوزراء، نردد شعاره: اشتدي أزمة تنفرجي...؟ مثل ذلك الأمر بأوضاعنا الحالية محال، ولا بد من رفد عمل رئيس الوزراء بآليات عمل خارج المألوف المأزوم إلى واقع آخر يغادر من خلاله كل بوابات عدم اليقين والتوافق والانسجام بين الفرقاء، بعيدًا عن مماحكات تقتل ولا تفيد. ترى هل سنردد مع الأخ رئيس الوزراء قول الشاعر:
اشتدي أزمة تنفرجي
قد أذن الفجر بالبلجِ
كل ما نأمله أن يكن من أذن للفجر.. صحا تمامًا من غيبوبة النوم.
ختامًا، نأمل لبلادنا في وضع دولي خطير، بل نقول خطير جدًا، إن تفككت صواميله، فبلادنا بوضعها الهش عرضة لما هو أسوأ مما نحن فيه، فالحرب لا ترحم... وذلك عبء آخر الأخ رئيس الوزراء أول المطالبين باتخاذ ما يلزم من إجراءات وسياسات تحول دون تأثيرات الحرب بسواءتها:
- اضطراب الملاحة والتجارة الدولية بالبحر الأحمر وخليج هرمز وما يعنيه ذلك.
- عدم الاستقرار بالخليج وانعكاساته على بلادنا.
- مزيد من الاضطرابات لسلاسل الإمداد وتأثيراتها السلبية على أسواقنا غير المستقرة أساسًا.
- الاحتمالات الواردة بشأن ارتفاعات أسعار النفط والغاز وباقي السلع الأساسية.
وكفى الله بلادنا وشعبنا شرور تلك الأمور.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً