صنعاء 19C امطار خفيفة

من "الأسد الصاعد" إلى "الأسد المحتضر": إسرائيل في طريقها إلى المأزق

بعد الفشل الاستراتيجي في تحقيق أهداف الهجوم الإسرائيلي — سواء في تدمير البرنامج النووي الإيراني، أو تحييد قدرة الردع، أو إسقاط النظام — تحوّلت العملية من مشروع حاسم إلى مغامرة عسكرية مشوّشة، بلا أفق واضح.

إيران، التي امتصّت صدمة المفاجأة سريعًا، لم تنهَر كما توقّع المخطّط الإسرائيلي، بل انتقلت إلى وضعية ردع موازٍ، يتصاعد يومًا بعد يوم، ويُراكم أوراق القوة بدل أن يخسرها.

الساعات الأخيرة وحدها تكشف حجم التحوّل: من الخطاب المتفائل لقادة إسرائيل حول "الفرصة التاريخية" لتحجيم إيران، إلى خطاب مرتبك مملوء بالتهديدات، ثم إلى ضربات عسكرية مرتجلة تخلو من البُعد الاستراتيجي، وتصبّ في خانة الانتقام، لا في إطار مشروع واضح المعالم.

لقد تحوّلت المعركة - التي أُريد لها أن تكون "معركة الأسد الصاعد"، لتثبيت الهيبة وردع المحيط — إلى معركة "الأسد المحتضر"، الذي يضرب بلا تمييز، ويصرخ بلا نتيجة، ويبحث عن مخرج يُنقذه من الورطة التي ساهم بنفسه في صناعتها.

الدرس الإيراني: من الدفاع إلى إدارة الردع

الرد الإيراني لم يكن انفعاليًا، بل جاء ضمن إطار مدروس يُجسّد العقلية الإيرانية المعهودة: الصبر، التدرّج، وتثبيت المعادلة.
فطهران تعلم أن الهجوم لم يكن مجرد اغتيال علماء أو استهداف منشآت، بل محاولة تركيع وإذلال وتدجين شامل.

وقد تعاملت إيران مع هذا التحدي عبر ثلاث مراحل واضحة:
    - امتصاص الضربة الأولى دون انهيار في القيادة أو بنية الردع.
    - نقل المعركة إلى مربع الردع، ثم إلى مرحلة المبادرة ورسم قواعد الاشتباك.
    - فرض معادلة "الرد مقابل الرد"، بما منع إسرائيل من استعادة زمام المبادرة أو حتى التقاط الأنفاس.

أمريكا تتفرّج… لكنها ليست بريئة

اللافت في هذا التصعيد أن الولايات المتحدة، على غير عادتها، بدت كمن يراقب من بعيد. لكنها لا تفعل ذلك ببراءة.
فواشنطن منحت الضوء الأخضر للهجوم، لكنها حرصت ألا تمسك بالورقة مباشرة.
تريد للحرب أن تنضج بما يكفي، ثم تأتي لتقطف ثمارها: إضعاف إيران، واستنزاف وابتزاز دول المنطقة.

لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر.
المعركة خرجت عن مسارها المرسوم، وتحولت من ضربة خاطفة وقاصمة إلى صراع مفتوح الاحتمالات، قد يتجاوز حتى قدرة واشنطن على احتوائه.

هل نحن أمام لحظة تحوّل؟

إذا استمر التصعيد على هذا النحو، فإن إسرائيل ستجد نفسها — وفي زمن قياسي — أمام مأزق غير مسبوق: استراتيجيًا، سياسيًا، عسكريًا، بل حتى وجوديًا.
فما يجري ليس مجرد مواجهة تقليدية، بل كسر هيبة وإعادة رسم معادلات.

والمفارقة أن إسرائيل، التي لطالما تباهت بأنها صاحبة اليد العليا، أصبحت اليوم الطرف الذي يُضرب ويتلقى ضربات، لا الذي يضرب ويُخيف.

الخلاصة

نحن لا نعيش مجرد مواجهة عابرة، بل نشهد تحوّلًا استراتيجيًا في طبيعة الصراع.
معركة "الأسد الصاعد" تعيش اليوم مرحلة "الأسد الجريح"، وتتجه — بخطى متسارعة — نحو مشهد "الأسد المحتضر".

وقد تسجّل هذه اللحظة في ذاكرة المنطقة كلحظة تاريخية شهدت انكسار المشروع الإسرائيلي الكبير… وبداية أفوله.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً