جاء عنوان أحد موضوعات قناة بلقيس "اليمن خارج حسابات ترامب ودول الخليج"، وكأنه كشف مفاجئ أو صدمة سياسية، بينما في الحقيقة لا يحمل هذا العنوان إلا تأكيدًا لما هو معلوم وواضح لكل متابع بسيط للمشهد اليمني. والسؤال الذي يجب أن يُطرح هو: كيف توقع البعض أن تكون اليمن ضمن الحسابات الإقليمية أو الدولية، وهي على هذا الحال من التدهور والانقسام؟
إن اليمن اليوم بلد هش، ممزق بين أطراف متصارعة، لا يجمعها مشروع وطني جامع ولا رؤية مستقبلية موحدة. الحوثيون يسيطرون على الشمال بقبضة أمنية وعقائدية حديدية، مدعومين من إيران، ويقمعون أي صوت معارض. وفي المقابل، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، يتكالب على الجنوب، يفرض سلطته بقوة السلاح، ويهمش كل من لا يدور في فلكه. أما الشرعية، فتكاد تكون غائبة بلا سلطة حقيقية وبلا نفوذ فعال، تتخذ من السعودية المنفى مقرًا لها، بلا تأثير حقيقي، وبلا مكانة لدى المواطن اليمني الذي خذلته مرارًا وتكرارًا، تاركة إياه يعاني الأمرين في جميع أنحاء اليمن.
ففي ظل هذا الانقسام والتآكل الداخلي، ما الذي يمكن أن تقدمه اليمن كدولة في ميزان العلاقات الدولية أو الإقليمية؟ الدول لا تلتفت إلا إلى الكيانات المستقرة، القادرة على اتخاذ قرارات وتنفيذها، القادرة على أن تكون حليفًا أو حتى خصمًا يحسب له حساب. أما اليمن، فهو اليوم أشبه بفراغ سياسي تتحكم به قوى متناحرة، لا تمثل دولة، ولا تستحق أن توضع على طاولة القرارات الكبرى.
ترامب، مثله مثل أي زعيم أمريكي آخر، ينظر إلى مصالح بلاده عبر البوابات الفاعلة: الخليج، إسرائيل، إيران، الصين.. أما اليمن، فليس أكثر من ساحة فوضى لا تغيّر في التوازنات الدولية شيئًا.
إن إخراج اليمن من حسابات اللاعبين الكبار ليس ظلمًا، بل نتيجة حتمية لواقع صنعناه بأيدينا. قبل أن نلوم الآخرين على تجاهلنا، علينا أن نراجع أنفسنا: ما الذي قدمناه لنبقى في الحسابات؟