في 15 ديسمبر من العام 1995، احتلت قوات عسكرية إريترية جزر أرخبيل حنيش الوقعة في البحر الأحمر، بعد طرد الحامية العسكرية اليمنية في جزيرة حنيش الكبرى، إثر مواجهات غير متكافئة أسفرت وفق مصادر إعلامية عن سقوط ثلاثة قتلى يمنين، في وقت أشار الباحث عبد الواحد عبدالعزيز الزنداني، في كتاب "النزاع اليمني الإريتري من المواجهة إلى التحكيم"، منشورات جامعة صنعاء، 1995، إلى استمرار المواجهات ليومين ووقوع عدد من الضحايا، خمسة عشر قتيلًا، ومائة وخمسة وثمانين أسيرًا من الجنود اليمنيين، واثني عشر قتيلًا من الجنود الإريتريين.

بينما قالت "ويكيبيديا" إن الهجوم الإريتري علي جزيرة حنيش أسفر عن سقوط "12 جنديًا إريتريًا و15 جنديًا يمنيًا، وأسر 185 جنديًا يمنيًا بينهم أحد القادة الكبار في الجيش، و17 مدنيًا على يد القوات الإريترية".
مساعي السيطرة على ذلك الأرخبيل وضمه إلى الأرضي الإريترية، أدخل البلدين في مرحلة ما قبل الحرب العسكرية، لكن بعض الأصوات رأت أن اللجوء إلى الحل الدبلوماسي أو التحكيم أفضل الخيارات، بخاصة أن اليمن خرج للتو من حرب أهلية دامية "حرب صيف 1994"، وماتزال قواته العسكرية تمر بمرحلة إنهاك، والخيار العسكري سيزيد من اتساع الفجوة الاقتصادية في البلد.
رغم عرض الرئيس العراقي الرحل صدام حسين، على الرئيس اليمني الرحل علي عبدالله صالح "المساعدة العسكرية لطرد إريتريا من حنيش"، وفق تأكيدات الإعلامي والكاتب اليمني أنور العنسي الذي كان في ذلك الوقت قريبًا من دائرة صنع القرار في صنعاء.
ربما، يعود مطمع إريتريا في احتلال جزيرة حنيش الكبرى والجزر الواقعة في الأرخبيل "أرخبيل حنيش"، إلى اعتبار أرخبيل حنش بدون سيادة من أية دولة ولا هوية محددة، لوجودها بالقرب من الساحل الإريتري وإدارة الأمم المتحدة للجزر بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية.
وإلى سماح النظام الشمالي لليمن "الجمهورية العربية اليمنية" لبعض الفصائل الإريترية، منها "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" إبان نضالها، قبل إمساكها بزمام الحكم، لتكون بعض جزر الأرخبيل محطة للنضال الثوري، "ولم تكن تلك العناصر تتعرض للمطاردة عند دخولها المياه الإقليمية لتلك الجزر سواء خلال العهد الإمبراطوري في إثيوبيا أو في أثناء حكم نظام الديكتاتور الإثيوبي الراحل، منجستو هيلا مريام، إدراكًا من إثيوبيا أن هذه الجزر ليست تابعة لها"، وفق ما نشرت موسوعة مقاتل من الصحراء في الإنترنت.
وخلال الأشهر التي تلت الأزمة، سارت الأوضاع نحو التهيئة العسكرية، وبحسب حديث لصديق والدي يعمل ضابطًا في الجيش في ذلك الوقت، أن تلك الفترة شهدت حالة طوارئ في كل الوحدات والتشكيلات العسكرية، حتى إن بعض الفصائل البرية داخل الجيش بدأت تتدرب على عمليات القتال في البحر، استعدادًا لحرب محتملة مع إريتريا.
وقدمت لإريتريا -كما تؤكد المصادر السياسية اليمنية والعربية- معدات عسكرية ورادارات ودعم لوجستي من الخبراء من قبل إسرائيل في مساعٍ لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر، بالإضافة إلى الدعم المالي والسياسي.
لكن الجهود الدبلوماسية أفضت إلى دخول البلدين إلى محكمة دولية لتقرير مصير الأرخبيل، وقبل ذلك كان هناك عدة وساطات دولية، أولها الوساطة المصرية، التي قدمت خلالها مصر عبر وزارة الخارجية مقترحًا لمبادرة حل النزاع في 25 ديسمبر من ذات العام، يتضمن انسحاب القوات الإريترية واليمنية من جزيرة حنيش الكبرى، إعادة الأسرى اليمنين، واللجوء إلى التحكيم الدولي لحل المشكلة.
وفي 29 ديسمبر سلمت إريتريا عبر الصليب الأحمر الدولي الأسرى اليمينين من القوات العسكرية التي كانت حامية عسكرية في جزيرة حنيش، إلى اليمن، وقبلها بيوم واحد طرحت إثيوبيا (28 ديسمبر) مبادرة لحل النزاع على جزيرة حنيش الكبرى، تضمن تلك المبادرة:
- تحييد موضوع النزاع، هل هو أرخبيل حنيش كاملًا والمكون من عشر جزر، أم جزيرة حنيش الكبرى فقط.
- نزع سلاح الجزيرة محل النزاع، وإيفاد فريق من المراقبين، وعدم وجود أية قوات من الدولتين، والإبقاء على هذا الوضع حتى الحكم في النزاع.
- موفقة الطرفين على إليه التسوية، وهل تتم من خلال الحوار الثنائي أم من خلال التحكيم أم عرض النزاع أمام محكمة العدل الدولية.
- استعداد إريتريا للانسحاب إذا ما تعهدت اليمن بعدم محاولة احتلال الجزر.
- استعداد إريتريا تسليم الأسرى.
لكن الموقف اليمني، شكك في نويا إثيوبيا في التدخل في الوساطة باعتبارها تتبنى وجهة نظر إريتريا في هذا النزاع، لذا مع التدخل الفرنسي في الوساطة رحبت اليمن، بخاصة أن وجود فرنسا في خط الوساطة يسهم بشكل أكبر في الدخول في مرحلة التقاضي بين الدولتين.
عينت فرنسا مبعوثًا خاصًا هو المستر جرتمان، للقيام بدور الوساطة بين الدولتين، بهدف حل المشكلة، حلًا سلميًا، وتقديمه مبادرة تضمن النقاط الآتية:
- عدم استخدام القوة والقبول بالحل السلمي، وبقاء الإريتريين في جزيرة حنيش الكبرى واليمنيين في جيرة حنيش الصغرى وزقر.
- أن يوكل لهيئة التحكيم مهمة إصدار أحكام في شأن السيادة الإقليمية وتعيين الحدود البحرية في نطاق محدد من جنوب البحر الأحمر بين البلدين.
- الالتزام بقرار هيئة التحكيم.
- تضع فرنسا باتفاق الطرفين الترتيبات لضمان عدم استخدام القوة في النطاق محل النزاع.
- إيداع اتفاق المبادئ الذي وقع عليه الطرفان لدى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية وامين عام منظمة الوحدة الإفريقية، وكذلك بالنسبة لاتفاق التحكيم وشروطه.
- توقيع فرنسا ومصر وإثيوبيا على الاتفاق بصفة شهود.
- إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق قبل 15 أكتوبر 1996، فعليهما اللجوء إلى رئيس محكمة العدل الدولية، ويطلب منه تكليف أحد حكام المحكمة ليضع خلال مهلة ثلاثين يومًا اتفاقًا ملزمًا للطرفين بإنشاء محكمة التحكيم.
ووقع الاتفاق في باريس في 21 مايو 1996، لتمضي الدولتان إلى محكمة دولية لفصل النزاع على جزيرة حنيش ورسم الحدود البحرية بين البلدين، وتضمن اتفاق التحكيم بين اليمن وإريتريا تسع مواد، تشرف على تنفيذها بشكل مباشر فرنسا.
وبهذا دخل الطرفان إلى مرحلة جديدة أسلحتها الوحيدة هي الوثائق والمخطوطات التاريخية والنقوش الأثرية، لحل النزاع البحري بين البلدين إجمالًا، والخلاف حول ملكية جزير حنيش بشكل خاص، وأفرد الاتفاق الموقع بين الطرفين لفرنسا مادة كاملة تتضمن أربع فقرات، أتاح لفرنسا مراقبة الوضع العسكري في أرخبيل حنيش، والعمل على تسريع فض النزاع سلميًا، وحق فرنسا في الملاحة والتحليق في أرخبيل حنيش.
وفي 9 أكتوبر 1998 أصدرت هيئة التحكيم الدولية في العاصمة البريطانية لندن قرارها بشأن النزاع اليمني الإريتري حول أرخبيل حنيش، إذ نص منطوق الحكم الصادر بحق اليمن في السيادة على تلك الجزر المتنازع عليها، لكن المفاجئ أعلنت إذاعة العاصمة الإريترية أسمرة القبول الإريتري فورًا بالحكم. لتبدأ ترتيبات الانسحاب العسكري الإريتري من الجزر اليمنية التي احتلتها، وتسليمها لليمن.