في عام 2016، كنت أتناقش مع زميل مغربي حول العلاقات التاريخية بين اليمن والمغرب، فتدخّل شيخ صوفي مغربي قائلًا بلهجته المحلية: "آ ودي، انتوما خوات مع الأحباش، ولا علاقة ليكم بالعرب اللي حداكم!"
لم تكن كلماته صادمة في توقيتها أو مضمونها، بل في مصدرها؛ إذ صدرت عن رجل يُفترض فيه التجرّد والتأمل والزهد المتسامِي عن الانتماءات الضيقة. غير أن ما قاله دفعني إلى البحث والتساؤل: هل يشبه اليمنيون الأحباش؟ وإن كان هناك شبه، فما أبعاده؟ ولماذا يُستخدم أصل "حبشي" أحيانًا في سياق الانتقاص من اليمني والعكس؟ وهل يمكن للقرابة أن تُحوَّل إلى أداة للانتقاص، حين تُسلَب من سياقها الإنساني والتاريخي؟
العلاقة بين اليمن والحبشة ليست مجرد تلاقٍ جغرافي أو تقاطع تاريخي، بل هي حالة أنطولوجية تتجاوز حدود السياسة والتاريخ. إنها علاقة تقوم على ما يمكن تسميته "الهوية المتحوّلة"، حيث لا يُعرَف الإنسان إلا في ضوء الآخر، ولا تنشأ الثقافة إلا من خلال التبادل والتفاعل والتناص الحضاري.
فالحبشي كاليمني في رقّة الطبع وطيب المعشر، وكذلك في البنية الجسدية، بخاصة ملامح الوجه، ولون البشرة، وحتى القامة. فعلى سبيل المثال، يتراوح متوسط أطوال النساء في اليمن بين 153 و156 سم، وفي الحبشة بين 156 و158 سم، مع فارق طفيف لصالح الأحباش، لا سيما بين الرجال.
إضافة إلى ذلك، هناك تقارب في المزاج النفسي الناتج عن المشترك الغذائي؛ فكلا الشعبين يعتمد على الحبوب، بخاصة القمح والذرة، والبقوليات مثل العدس، الفاصوليا، والفول، إلى جانب الخضروات والفواكه. وأبرز ما يجمع بينهما هو القهوة، وطرق تحضيرها، والطقوس المرتبطة بها. ففي الحبشة، تُقدَّم القهوة في ثلاث جولات: "أبول"، "تونا"، "باركا"، مع البخور والمأكولات الجانبية كالفشار والمقليات، وهي طريقة مشابهة لليمن، مع بعض الاختلافات، مثل إضافة التوابل (كالهيل)، واستخدام قشر البن في مشروب يُعرف بـ"بن قشر"، وهو فريد من نوعه في اليمن.
في الحقيقة، المشتركات بين البلدين كثيرة من الزاوية الأنثروبولوجية، لكن دعونا نعد إلى طبيعة العلاقة من حيث البُعد الاقتصادي والثقافي والتاريخي. يمكن ملاحظة أن العلاقة بين البلدين -على المستوى غير الرسمي- تشكّلت بفعل ما يُعرف بـ"الهوية التاريخية المشتركة والمتحولة"، وهي هوية تؤثر في المصالح، إذ لا تقوم العلاقة فقط على أسس مادية (كالأمن أو الاقتصاد)، بل على أساس من الهوية المتشكّلة عبر التاريخ، رغم تباين النظامين السياسيين والاقتصاديين. وهذه الهوية لاتزال تؤثر في صياغة العلاقة بين الشعبين حتى اليوم.
العلاقة كذلك تقوم على فكرة أن "الأفكار تشكّل الواقع"، فالعالم ليس كيانًا ماديًا صرفًا، بل يتكوّن من خلال التفاعلات الاجتماعية والمعاني المشتركة والتاريخ المتقاطع. وأخيرًا، فإن التغيير ممكن في هذا النوع من العلاقات؛ فعلى عكس النظريات التي تفترض نظامًا دوليًا ثابتًا، تقوم النظرية البنائية على أن التغيير ممكن من خلال إعادة بناء الهويات والمعايير، مع بقاء وتأثير المشترك الثقافي والتاريخي.
وللمقارنة، يمكن القول إن العلاقة بين اليمن والحبشة تسير في مسار يُشبه تطوّر العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل، حيث الاحتلال والذاكرة التاريخية والمظلومية. وفي بُعد آخر، تُشبه العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من حيث التماهي الثقافي والتاريخي. وهذا موضوع يطول شرحه، وسنعود إليه متى ما سنحت الفرصة.