ليس من العدل أن نُحمّل الشباب أوزار الماضي، ولا من الحكمة أن نُقصيهم عن كتابة المستقبل.
لكن من النضج، أن ندعوهم لتحمّل دورهم بشجاعة، لا بوهم... وبإرادة، لا بانفعال.
في عالمٍ يمضي نحو تعقيدات غير مسبوقة -من تغيرات مناخية، وصراعات فكرية، وانقسامات اجتماعية- تُصبح الحاجة إلى جيلٍ واعٍ، جيلٍ يُفكّر، جيلٍ يبني، أشد من أي وقت مضى.
ولعلّ أجمل ما في مرحلة الشباب، أنها ليست فقط سنّ القوة والحُلم، بل سنّ القرار والمسؤولية.
لا يكفي أن نحلم بمجتمع أفضل، بل علينا أن نُصبح أدوات في صناعته، وأن نفهم أن المستقبل ليس هدية... بل أمانة تنتظر من يحملها.
الفكرة التي تقول إن لكل منّا غاية، وأننا خُلقنا لنبني أنفسنا ونُسهم في بناء مجتمعنا... هذه ليست فكرة مثالية، بل بوصلةٌ ترشدنا في دروب الحياة.
وليس مطلوبًا من الشباب أن يكونوا ملائكة، لكن أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، أوفياء لوعدهم، مؤمنين بقدرتهم على التغيير.
وهذا لا يعني أنهم سيصيبون دائمًا، بل أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم، ويواصلوا المحاولة حين يفشلون.
الشباب الذين يدركون أن العالم لا يتغيّر بالصراخ، بل بالصبر والعمل والمثابرة، هم أولئك الذين سيُعيدون تعريف القيادة، ليس كسلطة، بل كخدمة. وسيُعيدون تعريف النجاح، ليس بالشهرة، بل بالأثر.
لكن لكي يتحمّل الشباب مسؤولية المستقبل، لا بد أن يتاح لهم أولًا:
فضاءٌ للحوار دون خوف،
مؤسسات تُنصت ولا تُلقّن،
تعليم يُنمي الفكر، لا يكرّر المحفوظات،
مجتمع يرى فيهم شركاء لا تابعين.
وهنا يأتي دور صانعي القرار: أن يُعيدوا النظر في طريقة إشراك الشباب، لا بمنطق التزيين الإعلامي، بل بمنطق التمكين الحقيقي.
فالمشاركة لا تعني مجرد مقعد على الطاولة، بل الحق في التفكير، والمساهمة، والتأثير.
في نهاية المطاف، ليست القضية أن "نمنح" الشباب فرصة، بل أن نعترف بأنهم جزء من الحل، إن لم يكونوا نواته.
فهم ليسوا فقط أبناء هذا الوطن، بل بناة مستقبله.
وإن أُعطوا الثقة، والتوجيه، والمساحة... لن يخيّبوا الظن.