في الآونة الأخيرة، عادت التكهنات السياسية لتحيط بالمشهد اليمني من جديد، وسط حديث عن ترتيبات إقليمية ودولية تشمل إصلاحات محتملة في مجلس القيادة الرئاسي. وقد تعزز هذا الحديث بزيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى جانب أنباء عن زيارة مفاجئة للسفير أحمد علي عبدالله صالح إلى العاصمة السعودية الرياض، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب قبل نحو عقد.
هذه التحركات دفعت البعض إلى التفاؤل بإمكانية حدوث انفراجة في الأزمة اليمنية، أو على الأقل تغييرات قد تسهم في تحريك المياه الراكدة. إلا أن القراءة الواقعية لما يجري توحي بأنه لا يتجاوز حدود إعادة ترتيب الوجوه والأدوار ضمن إطار الأزمة نفسها، لا تجاوزها. هذا، إن افترضنا أصلًا أن ثمة تغييرات حقيقية ستطرأ على مجلس القيادة، وليست مجرد تكهنات إعلامية ، وعليه نقول :
أولًا: إصلاحات في مجلس القيادة… إعادة تدوير الأزمة أم تهيئة لجولة جديدة من الصراع؟
الحديث عن تغييرات وشيكة في تركيبة مجلس القيادة الرئاسي، حتى وإن حدث، لا يعني بالضرورة وجود نية فعلية للإصلاح الشامل أو تحريك العملية السياسية. بل على العكس، تبدو هذه التحركات جزءًا من ترتيبات أمنية وعسكرية تُملِيها المتغيرات الإقليمية والدولية، أكثر من كونها استجابة لمتطلبات الحل السياسي الوطني.
وغالبًا ما تهدف هذه التغييرات إلى إعادة ضبط التوازنات داخل المعسكر الموالي للتحالف، دون أن تنطوي على إرادة حقيقية لإعادة بناء سلطة تمثيلية أو شراكة وطنية تضمن حلاً عادلًا وشاملًا.
ثانيًا: زيارة أحمد علي… عودة محتملة أم ورقة ضغط؟
الزيارة المفاجئة للسفير أحمد علي عبدالله صالح إلى الرياض، ورغم ما تحمله من رمزية، لا تبدو مؤشرًا على تحوّل جوهري في الموقف السعودي، ولا على انخراط وشيك في تسوية شاملة.
الأرجح أن هذه الخطوة تأتي في إطار إعادة ترتيب النفوذ داخل المكونات المناهضة لأنصار الله، وربما لتوظيف أحمد علي كورقة ضغط على قوى أخرى داخل المجلس الرئاسي أو داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، وقد ظهرت بوادر من هذا القبيل في الأزمة المفتعلة مؤخرًا بين النائب طارق صالح ورئيس مجلس القيادة الرئاسي ، وقبل ذلك من خلال سلسلة من الاجتماعات التنسيقية مع المجلس الانتقالي الجنوبي. كما لا يُستبعد أن تكون هذه الخطوة تمهيدًا لإدماجه في مرحلة جديدة من التصعيد مع صنعاء، بدلًا من الدفع به نحو تسوية سياسية جامعة.
وفي كل الأحوال، تبقى هذه الزيارة امتدادًا لنهج تدوير الأشخاص دون مراجعة السياسات، وهو ما يقلل من جدواها في إحداث اختراق حقيقي في مسار الأزمة أو الحل.
ثالثًا: مؤشرات التحسن النسبي… مهدئات لا حلول
خلال الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت بعض المؤشرات التي فُسّرت على أنها بوادر لتحسين الوضع الإنساني، مثل الحديث عن فتح الطرقات المقطوعة منذ اندلاع الحرب، وتخفيف الحصار البحري جزئيًا على ميناءي الحديدة والصليف، خصوصًا بعد المواجهات الأخيرة في البحر الأحمر.
غير أن هذه التحركات تبدو أقرب إلى “مهدئات مؤقتة” تهدف إلى امتصاص حالة الاحتقان الشعبي، أكثر من كونها خطوات ضمن مسار تسوية حقيقية. بل إنها قد تُوظّف كخطوات تمهيدية لفرض معطيات جديدة، تُقدَّم فيه بعض التنازلات الشكلية مقابل تحريك الوقائع العسكرية والأمنية القائمة منذ الهدنة، وقد تُؤخذ أيضًا من باب الخداع والتمويه لما قبل مرحلة تصعيد جديدة.
رابعًا: زيارة المبعوث الأممي… بروتوكول في حلقة مفرغة
زيارة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى عدن جاءت في توقيت حساس، لكنها لم ولن تخرج عن إطار زياراته السابقة، التي غالبًا ما تنتهي بتصريحات دبلوماسية لا تعكس تحركًا عمليًا.
حتى الآن، لم يتمكن غروندبرغ من تجاوز مربع “خفض التصعيد”، في ظل محدودية دور الأمم المتحدة، واقتصارها على إدارة الأزمة لا حلها. ومع غياب توافق داخلي حقيقي، وتضارب الأجندات، ومتغيرات الاحداث الاقليمية يبدو أن قدرة المبعوث الأممي على تحريك العملية السياسية ستظل محكومة بقيود الواقع المعقد.
خاتمة: لا سلام في الأفق القريب
بالنظر إلى كل المؤشرات السابقة، يصعب القول إن اليمن يقف على أعتاب مرحلة جديدة من السلام أو الإصلاح، بل على العكس. ما يحدث لا يتجاوز كونه إعادة تموضع داخل الأزمة نفسها، ومحاولات لترميم السلطة القائمة دون معالجة أسباب الانقسام أو إيقاف الحرب فعليًا.
لا التغييرات المحتملة في مجلس القيادة، ولا عودة بعض الوجوه القديمة، ولا زيارات المبعوثين الدوليين، تبدو كافية لتحريك الملف اليمني نحو حل شامل. بل إن المخاوف تتزايد من أن تتحول هذه التحركات إلى واجهة سياسية لتجميل الواقع الراهن، أو إلى حالة تمويهية استعدادًا لجولة جديدة من التصعيد.