يوم أن دعاهم جميعًا إلى تعز في اجتماع موسع بدون صراخ ولا ضجيج، قال لهم الحاج علي محمد سعيد: "اختاروا رئيسًا لمجلس الإدارة بديلًا عني، لقد تعبت".
ردوا الكرة جميعًا إلى ملعبه: "رشّح من تراه ونحن بعدك".
ليأتي عبدالرحمن هائل. يومها كتبت عن التداول السلمي للسلطة في مجموعة هائل.
هناك من زعل، وأنا لم أُعِره اهتمامي، وقلته بدون أي غرض.
اتصل بي عبدالرحمن، رحمه الله، يشكرني، ويذكرني بأيام الدراسة والزمالة في مصر، قلت له: "بالتأكيد في ذهنك شخص آخر". بالفعل كان في ذهنه عبدالرحمن بجاش سلطان...
ذهب عبدالرحمن بهدوء، ليأتي الشيخ عبدالجبار.
يذهب الآن عبدالجبار ليأتي درهم.
لاحظوا أن التداول يجري ليس بين أبناء هائل فقط، بل بين أبناء الإخوة، وبدون حساسيات...
ذات ظهر، وكنت أتغدى عند الحاج علي، وهو صديق لوالدي منذ 60 عامًا، كما قال لي: "من أيام المخا، وتلك حكاية لسنا بصددها هنا...".
قال الحاج: "كانوا في عدن يسمونني علي هائل، حتى تم تعييني وزيرًا في حكومة ثورة سبتمبر 62، ليفاجَأوا باسمي علي محمد سعيد". قال: "والدي توفي، انبرى عمي هائل يقول لي: أنا والدك".
انظر، هناك الحاج عبدالواسع، هناك الأستاذ محمد عبده سعيد وفؤاد هائل ونبيل وأحمد جازم ورشاد. لا تسمع لأحد منهم حسًا ولا احتجاجًا. "لقد تربينا" كما قال لي أحمد هائل سعيد، الرجل الهائل، ذات نهار، في مكتبه بتعز: "لقد تربينا على احترام بعضنا".
قال الحاج عبدالواسع ذات مساء، وهو يحدثني عن والدته: "أي من إخوتي أو أولاد عمي إذا طلب من أي من أولادي أن يرمي نفسه في النار، يفعل بدون تردد...".
لقد شاهدت بأم عيني في استراحة بيت هائل في صنعاء، وفي عرس ابنة محمد عبده سعيد، كيف هب شباب الأسرة عندما أطل الحاج علي بوجهه، وانحنى كل واحد منهم يقبّله في ركبتيه...
وفي ذلك الاجتماع للجنة الإخاء المصري اليمني، أكبرت نبيل هائل. ففي الاجتماع الذي سبق كان الحاج عبدالواسع قد تبرع بـ3 ملايين ريال. حاول أحد المجتمعين إحراج نبيل هائل بالتبرع من جديد، قال بحسم: "خلاص، ما قاله عبدالواسع هو الذي يكون".
أصروا عليه، قالها بحسم: "لا يمكن. لو أفعلها، العم علي يمسح بي الأرض". كَبُرَ في نظري. وفي الردهة همست في أذنه، وأنا ألقاه لأول مرة: "أعجبتني...".
بيت هائل مدرسة للعقل المقترن بالرزق.
الاحترام بالتقدير.
القيم أولًا هي السائدة، ومن تحكمهم، لا نشاز في أي مفصل.
الآباء طرحوا القيم على الأرض الخضراء، والأجيال التي تتلاحق تسير عليها.
هنا نصيحة للنخب والأحزاب التي تلوك الشعارات: اذهبوا إلى مجموعة هائل، وليس من العيب أن تتعلموا كيف يتم التداول السلمي والأخلاقي للسلطة...
تعلموا إن أردتم.
درهم عبده سعيد يمثل جيلًا جديدًا يضج دماءً جديدة في شرايين الطموح اللامحدود، وهو الذي ترونه في شعارهم، والذي سألني ليلتها محمد عبده سعيد عن معناه؟ فلم أوفق في الإجابة.
قال: "إن تلك المنحنيات تمثل طموحًا بلا حدود".
هؤلاء الناس يقدمون الدروس بالمجان، ولا يستفيد منها أحد. لأن الكثير الكثير من البشر ينظرون إلى الكأس الممتلئة بالنقود فقط، ولا يتذكرون ما قلته أنا هنا نقلًا عن عبدالعزيز سيف العريقي، وقد سأل العم هائل: "كيف يا عم هائل؟".
أجاب بأدبه المعهود، والذي لمسته جهارًا نهارًا أثناء زيارة وفود أول مؤتمر للمغتربين إلى تعز، وكنت أقف مبهورًا ببساطة العم هائل وهو يكلم أستاذنا شيخنا صالح الدحان، قال الحاج لعبدالعزيز: "أرحم الراحمين يقول شل يا هائل، وأنا أقول: شلوا من حق أرحم الراحمين".
أجيال تتلاحق، وكل الأيدي تمتد بالخير للناس، ستستمر، فالثروة مجرد اختبار، هناك من ينجح فيه، وآخر يفشل...
تهانينا للقيم في بيت هائل، في مجموعة العقل...