صنعاء 19C امطار خفيفة

أحداث ما بعد 7 أكتوبر بين المبتهجين والحزانى

الأهداء إلى أصدقائي المبتهجين بطوفان الأقصى، ومنهم المناضل اللواء حاتم أبو حاتم والمثقف العضوي المهندس عبدالغني ناجي والمهندس عبدالقدوس المنصور.

 
كم أسعدني خصوم إيران الذين أبدوا حزنهم وألمهم للهجوم السيبراني والاستخباراتي الذي نفذته إسرائيل فجر يوم أمس على دولة إسلامية هي إيران.
كما أساءني في ذات الوقت أولئك الذين ابتهجوا بتلك الضربة القاسية التي استطاعت التخلص من عشرة علماء وأضعاف العدد من القادة والمسؤولين.
كما أن من ابتهجوا بيوم 7 أكتوبر هل أدركوا معنى تصريح النتن ياهو في خطابه يوم أمس أن بلاده كانت قبل ذلك اليوم مهددة وجوديًا، وأن اغتيال حسن نصر الله مثل لحظة فارقة لبلاده. ويذكرنا بتصريح ذلك النتن عقب 7 أكتوبر أن المنطقة سوف تدخل عصرًا جديدًا عما قريب، أي عصر الشرق الأوسط الجديد أو العصر الإبراهيمي للديانات الثلاث الهودية والمسيحية والإسلامية.
فهل أدرك الذين ابتهجوا بيوم السابع من أكتوبر، وظنوا أنه طوفان على الكيان الغاصب بأنه صار طوفانًا ووبالًا على محور المقاومة وإيران؟ نعم إنها الحقيقة المرّة تكشفت نفسها تلك الضربات المتلاحقة التي تلت ذلك اليوم من البيجرات التي شلت ٥٠٠٠ مقاتل واللاسلكي وقوات الرضوان واغتيال قائد حزب الله والذي كان مرشحًا أن يخلفه، وما جرى لسوريا وأن ما كانت لتستطيع إسرائيل أن تتطاول على ضرب إيران لو لا تداعيات ذلك اليوم الذي يبتهج به البعض: فذلك اليوم لم يكن سوى كارثة مُمنهجة على القضية الفلسطينية وحلفائها. فكما أسلفنا بأن النتن ياهو صرح بأن ذلك اليوم قد أنقذ بلاده من الإزالة، وأن اغتيال نصر الله أنقذ كيانه من "تهديد وجودي" قبل السابع من أكتوبر، وكل الوقائع وتلك التداعيات تؤكد صحة ما قاله من أن ذلك اليوم كان "انتصارًا" وهدية تاريخية للاحتلال، فكما اعترف نتنياهو لاحقًا: "حقّق ذلك اليوم حلم الشرق الأوسط الجديد"، أي أن شرقًا أوسط تُحذف منه فلسطين وحقوقها في سبيل التحقق.
وما كان لحماس أن تراهن على حفنةٍ من الأسرى وعدد من الجثث إلا مغامرةً كشفها المشهد الإيراني الأخير. فبينما تُمسك حماس بعشرين جثة وبعض الأسرى كـ"ورقة رابحة"، تحوّلهم إسرائيل إلى ذريعة ذهبية لتحويل غزة إلى "قاع صفصف". كل يوم ترفض فيه حماس الإفراج عن أولئك النفر الذين بقاؤهم يحقق ما يتغياه النظام الإجرامي من مسح غزة وتصفية سكانها، ويزيد من عدد القتلى الفلسطينيين، ويوسّع الدمار، بينما تتعوّد إسرائيل ألا تطلق سراحًا إلا بثمن سياسي فادح. لكن الضربة الإسرائيلية في قلب العمق الإيراني كشفت أن مراهنة حماس على "ورقة الأسرى" كانت واهية منذ البداية: فكيف ترهن مصير غزة بأسرى، بينما إسرائيل قادرة على اختراق أعتى دفاعات المحور بلا رادع؟
لقد حلقت الطائرات الإسرائيلية (F-35I "أدير") في سماء إيران كأشباح، بينما ساد صمت مطبق في أنظمتها الدفاعية. لم تطلق المضادات، ولم تشغل الرادارات، وكأن السماء فتحت على مصراعيها. السرّ لم يكن في تفوّق الطائرات فحسب، بل في "حرب هجينة" شُنت قبل الضربة بزمن: اختراق إلكتروني شل شبكات القيادة والسيطرة، وحقن بيانات زائفة جعلت الأجواء "هادئة" وهميًا، وتشتيت استراتيجي شل القدرة على الاستجابة. إيران -رغم امتلاكها S-300 و"باور 373"- كشفت عن خللٍ قاتل: أنظمةٌ منفصلة غير متكاملة (رادارات هنا، قواذف هناك، قيادة في مكان ثالث)، مما جعلها عاجزةً عن رؤية العدو حتى وهو يضرب قلب منشآتها النووية.
هنا تكمن المفارقة الأليمة: حماس ورطت حزب الله وإيران وسوريا في معركة خاسرة، بينما كان حلفاؤها أنفسهم عاجزين عن حماية سمائهم. فما حدث في إيران لم يكن ضعفًا في الصواريخ، بل فشلًا في "القدرة على الرؤية" كما وصف التقرير. إيران "ضُربت وهي لا تدري أنها ضُربت"، لأن إسرائيل هندست الضربة عبر سنواتٍ من الاختراق السيبراني وزرع العملاء واختبار الثغرات. هذا العجز التكنولوجي يلقي بظلاله على مراهنة حماس: فكيف لحركة مقاومة أن تهزم آلة عسكرية قادرة على اختراق أعتى دفاعات إيران بلا خسائر؟
النتيجة كانت توريط القضية الفلسطينية في فخٍّ مزدوج: من جهة، قدّمت حماس المبرر الذهبي لإسرائيل لتدمير غزة تحت شعار "حق الدفاع"، ومن جهة أخرى، كشفت ضعف المحور الذي راهنت عليه. اليوم، بينما تواصل إسرائيل بناء "الشرق الأوسط الجديد" على جماجم الغزيين، وتُحول الأسرى والأجساد إلى ذريعةٍ لتمديد الحرب، يبقى السؤال الأقسى: هل كان الثمن البشري (أكثر من 183 ألف شهيد وجريح ومفقود، ومجاعة جماعية) يستحق رهانًا أضاع فرصًا دبلوماسيةً نادرة، وعرّض حلفاءه للضرب وهم عاجزون؟ لقد سلّمت حماس القضية في طبقٍ من ذهب لمن لا يرحم، وأثبتت الضربة الإيرانية أن الطوفان الحقيقي كان على أحلام المقاومة لا على أساطير الاحتلال.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً