صنعاء 19C امطار خفيفة

في الذكرى الـ 35 للجمهورية اليمنية.. شعبٌ واحد.. وطنٌ واحد

في 22 مايو 1990 التأم شطرا الوطن، وتحقق حلم اليمنيين في إقامة دولتهم الواحدة. وهو حلم ظل يراود اليمنيين عقودًا طوالًا، عبّرت عنه بوضوح دساتير الشطرين السابقين.

 

فمثلًا نصت المادة (5) من دستور الشطر الشمالي الصادر عام 1970 على أن "اليمن كل لا يتجزأ، والسعي لتحقيق الوحدة اليمنية واجب مقدس على كل مواطن".
وجاء في المادة (2) من دستور الشطر الجنوبي الصادر عام 1978: "الشعب اليمني شعب واحد، وهو جزء من الأمة العربية، والجنسية اليمنية واحدة، وتكوّن اليمن وحدة تاريخية واقتصادية وجغرافية".
ولم يكن ذلك الحلم مبنيًا على وهم، بل هو التعبير عن حقيقة موضوعية في الواقع، لا سبيل إلى إنكارها أو التشكيك فيها. وتتمثل هذه الحقيقة الموضوعية في الوجود التاريخي لهذا الوطن الكبير عبر الزمن. فهذا الكيان لم يظهر فجأة أو صدفة، وإنما جذوره ممتدة لآلاف السنين.
ندرك جميعًا أن المجتمعات الإنسانية، من القبيلة إلى الشعب والأمة، هي تكوينات تاريخية تبلورت عبر الزمن، وثمرة للتطور الحضاري.
وفي الجزء الجنوبي من جزيرة العرب، ومنذ ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح على الأقل، قامت مجتمعات مستقرة ودول متعددة لم تتعين في ما بينها حدود فاصلة واضحة، بل عاشت في حالة تداخل وتمدد وانكماش، متنازعة ومتحاربة أحيانًا، ومتعاونة أو متوحدة تارة أخرى، كما حدث مثلًا في عهد كرب إل وتر في بداية الألفية الأولى قبل الميلاد، أو في عهد شمر يهرعش في القرن الثالث الميلادي، أو في عصور أخرى لاحقة كان آخرها الجمهورية اليمنية حاليًا.
وفي كل الأحوال، ظل التفاعل الاجتماعي وتداخل العلاقات الاجتماعية قائمًا على امتداد هذه المنطقة بصورة دائمة، تغذِّيها مصالح مشتركة وطرق تجارية تربط بين مدنها وحواضرها من قنا إلى شبوة إلى تمنع إلى وادي مرخة إلى مأرب إلى قرناو، ثم إلى ظفار، ثم إلى عدن وصنعاء وتعز وزبيد والمكلا... إلخ، وخلال ذلك التواصل والتفاعل عبر التاريخ صنعت تاريخًا مشتركًا، وهوية مشتركة، والمعبّر الواضح عن ذلك ومنذ القرون الأولى هو نظرة الآخرين من الخارج لهذه المنطقة، كالرومان والإغريق، فهي في نظرهم كيان واحد: العربية السعيدة أو اليمن.
ولا أظن أن أحدًا يماري اليوم في وجود هوية مشتركة جامعة لهذا الجزء من جزيرة العرب، هي الهوية اليمنية، وحقها في وطنها الواحد.
هذه هي الحقيقة التاريخية، ومنطق التطور الحضاري.
ومن ثم، فإن محاولة العودة إلى الماضي السحيق، واصطناع هويات متعددة، وتجزئة الوطن الواحد، لن تكون إلا مجافاة لتلك الحقيقة، وذلك المنطق، ومجرد افتعال واصطناع عقبات أمام تطور وتقدم هذا الوطن.
أما لو تحدثنا بمنطق المصلحة الآنية الصرفة لأي جزء في هذا الوطن، فلا أظن عاقلًا يتصور ـوفي هذا العصر بالذات عصر التكتلات الكبيرةـ أن هناك مصلحة متحققة في تمزيق كيانه الوطني الكبير، وتشتيت مواطنيه، وتقزيم دوره.
ولا ينبغي هنا أن نغفل عن حقيقة هامة وحاسمة، وهي أن هذا التكوين التاريخي الذي ترسخ عبر الزمن في أجيال متتالية، هو مصلحة مشتركة للأجيال المتعاقبة، وليس من حق جيل ـبدافع المصلحة الآنية الحالّة المتخيّلة أو المتوهَّمة (وهي لن تكون إلا كذلك)ـ أن يمزق هذا الكيان، فهذا الكيان ليس ملكًا خالصًا له، بل هو ملكية ومصلحة مشتركة ممتدة عبر الأجيال المتعاقبة.
بمعنى أنه لو قرر كل أبناء الوطن في لحظة تاريخية معينة، تجزئة هذا الوطن بإرادتهم الصريحة الواضحة التي لا شك فيها، فإن قرارهم هذا لن يكون مشروعًا، لأنهم بذلك يصادرون حق الأجيال القادمة في بقاء هذا الوطن موحدًا، ومن ثم يضعون عقبات وتحديات أمام الأجيال القادمة في سعيها لتحقيق مصالحها.
ولا يقولن أحد إن بإمكان الأجيال القادمة إعادة الوحدة مرة أخرى وقتما شاؤوا، لأن إنجاز هذه المهمة دونه الكثير من الجهد وإهدار الإمكانيات، على فرض أن تحقيق ذلك سيكون أمرًا ممكنًا ومتاحًا في ظل العوائق الداخلية والخارجية حينها.
ومن ناحية أخرى، وبعبارة صريحة واضحة، ينبغي الوعي بأن وحدة الوطن ليست مجرد فكرة مصلحية اختيارية خاضعة للقبول أو الرفض. بمعنى أن قبول الوحدة أو رفضها أمر قابل لموازنة يجريها جزء من الوطن ليرى جدواها والمصالح الآنية المتحققة منها له، ليقرر بناءً على ذلك رفضها أو قبولها؛ بل إن هذه الوحدة هي استحقاق تاريخي موضوعي مصيري لا مفر منه، ولا سبيل سواه.
فهذا الوطن وهذه الهوية الواحدة التي تبلورت هي حقيقة موضوعية ثمرة التطور التاريخي، ومن المستحيل -وأكرر من المستحيل- إلغاء هذه الحقيقة. فبعد أن استقر هذا التكوين وهذه الهوية عبر التاريخ، يستحيل إعادة التاريخ إلى الوراء، وإلغاء حقيقة الوجود الموضوعي لهذا الوطن وهذه الهوية.
لقد أصبح هذا الوطن بامتداد رقعته حقًا مشاعًا لكل أبنائه بكل أجياله من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، ولا يملك أحد أن يستأثر بجزء منه، ولا يستطيع ذلك في الأساس؛ لأنه سيبقى من حق كل مواطن أن يدافع عن حقه بكل الوسائل. فمثلًا لو حدث أن تجزأ الوطن لأي سبب من الأسباب، سلمًا أو حربًا، سيبقى هناك في هذا الجيل أو الأجيال اللاحقة من يطلب حقه في وطنه الواحد الكبير، وفي كل جزء فيه، ويسعى لاسترداده، ولن يتحقق الاستقرار مطلقًا لأي جزء بمفرده. فهل نعي هذه الحقيقة الموضوعية؟
من الطبيعي أن يختلف أبناء الوطن حول كيفية إدارة الدولة، وأن تختلف المشاريع الوطنية للنهضة والتقدم، ولا سبيل إلى حل هذا الإشكال سوى إقامة دولة مدنية حديثة لكل اليمنيين على الأسس الديمقراطية ومبدأ المواطنة واحترام حقوق الإنسان.
 وقد يحدث أن توجد أنظمة حكم وسلطات فاسدة، ومواجهة هذه الأنظمة والسلطات الفاسدة هي مسؤولية كل أبناء الوطن من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، بأفراده ومنظماته السياسية والاجتماعية.
وفي النهاية، ينبغي الإشارة إلى أن اليمن، ومنذ صدر الإسلام، قد أصبح جزءًا من أمة عربية واحدة لها هويتها القومية. وحق هذه الأمة أيضًا أن تقيم دولتها الواحدة. وذلك حديث آخر.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً