تبين للهند أن الفخ الذي نصبته جماعة إرهابية تتهم بصلتها بالأجهزة الباكستانية، لم يكن حدثًا معزولًا، بل كانت باكستان ومن وقف خلف العملية الإرهابية قد أعدت لما بعده جيدًا، وقد ظهر ذلك بعد العملية لا قبلها، وتحديدًا حين اعتقدت أنها ستقوم برد محدود ومدروس لن يؤدي إلى مواجهة، لكن رد الباكستان كان قويًا وغير متوقع.
وحين أدركت الهند أنها وقعت في فح خطير لا يمكن أن تكون باكستان هي وحدها من نصبته، قررت التراجع والتأمل جيدًا في طبيعة المؤامرة على أمنها واستقرارها كبلد ينمو ويتطور بصورة سريعة. وهكذا انتهت الجولة الأخيرة من الحرب، ولا بأس أن تشعر باكستان بالنصر في هذه الجولة، ولكن الحرب لن تتوقف، وبالتالي لن يتوقف الإعداد لها بصورة أفضل حتى تحل مشكلة كشمير.
الأمر ذاته حدث لروسيا الاتحادية مع أوكرانيا من قبل حين اندفعت قواتها في بداية الحرب لتحاصر كييف وخاركيف والمدن الكبرى في أوكرانيا، بهدف الضغط على أوكرانيا للتخلي عن إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم، وبحرب خاطفة وسريعة لا تكلف الكثير.
لكنها اكتشفت سريعًا أن أوكرانيا قد أعدت لهذه اللحظة من سنوات، وأن ثمة من يقف خلفها ومن أمامها ليس سياسيًا، بل وعسكريا وأمنيا وتكنولوجيًا، لإلحاق أكبر هزيمة لروسيا في تاريخها، ما يؤدي حتمًا إلى تأخر تطورها، بل وإلى تفكيكها والاستيلاء على ثرواتها.
ولهذا، وحين بدأت دباباتها تتفجر الواحدة تلو الأخرى، في محيط كييف وخاركيف، بالمسيرات الحديثة والأقمار الاصطناعية والاستخبارات العسكرية للناتو بكامله، قررت التراجع والانسحاب إلى إقليم دونباس، ولكن دون التخلي عن أهدافها، بل بإبدال الحرب الخاطفة بالحرب الطويلة، والحسم السريع بالانتصارات الجزئية والمتدرجة، وبهذه الطريقة خسرت كثيرًا من جنودها وإمكاناتها الاقتصادية، لكنها فوتت الفرصة على إلحاق الضرر الكبير بها، وها هي اليوم تكاد تحقق كل أهدافها في حين خسرت أوكرانيا والغرب من خلفها كل شيء، وبأضعاف أضعاف ما خسرته روسيا، بدءًا من الجند والمعدات والاقتصاد والبنية التحتية والناتو والنازية الجديدة، وانتهاء بالأرض والسيادة، بل وصولًا إلى التهديد بوجودها كدولة.
لا أعتقد أن الصراع بين الهند وباكستان هو صراع وجود أصلًا كما هو الحال بين الغرب ممثلًا بطرفي الأطلسي، والشرق ممثلًا بروسيا وأوراسيا، بل هو صراع حدود، ومن نصب للآخر فخًا سيعرف قريبًا أنه لم يستفد منه بقدر ما استفاد وسيستفيد منه أطراف خارج البلدين، وأكبر من البلدين، وعلى باكستان ألا تستند إلى ما اعتبرته تفوقًا في هذه الجولة على الهند، لأن الهند قررت التراجع بوعي وبهدف التأني والعمل على ألا يتكرر الأمر.
والكبير هو من يجعل الصغير يتهور أكثر من اللازم، فيقع، وهذا هو الدرس الباكستاني الذي ينبغي استيعابه من قبل باكستان قبل غيرها.