تتكاثر الأنباء وزخم أخبار أحوالنا في اليمن السعيدة، مما جعلني هذا الأسبوع أنأى بنفسي عن ذكرياتي الماضية، ولكثرة الأنباء وزحمة الأخبار التي لم تعد تترك لخبابيري قيد أنملة أو بنانة، فأصابني ضجر قرر لكي لا أطيله للرجوع إلى المحازي التي اعتدت وعوّدتكم عليها مهما كانت ثقيلة على النفس أولًا وثانيًا لتردد اسم سلطنة عمان العزيزة على معترك وجدنا أنفسنا في وسطه بيننا وبينهم وبين الحوثيين الجبارين الذين خدشوا محبتنا لكم باصطفافكم مع الحوثي ضدنا وتزويده عبر حدودنا برًا وبحرًا بما يهرب إليهم من مقدرات سلاح ومشتقاته، وبما فيه من مزاج ليس أقله أهمية مخدرات الكبتاجون!

وعن نفسي شخصيًا ألتمس لكم معاذير الرغبة في الانتقام من عدن التي كانت عاصمة لزمن الثورة الاشتراكية العلمية، وأرادت تسويقها لكم، وإقدامكم على المساعدة في تسويق عصر الكبتاجون وأسلحته إلينا في زمننا البطال هذا، والأستاذ صاحب المعالي وزير خارجيتكم الأعظم يوسف بن علوي، حفظه الله، أدرى الناس بما أقول، ومازلت أحفظ له الشكر والتبجيل لكرمه بإهدائي ساعة ثمنها ألف دولار أميركي، يوم زيارتنا لكم في مسقط، في زمن المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم، عام 1994م، الذي استقبل رئيس وفدنا طيب الذكر الأستاذ جار الله عمر، لذكراه الخلود.. وترن في أذني بلا انقطاع النصيحة الغالية التي رددتموها لنا بالقول: حافظوا على وحدتكم بالتماسك الجاد، فنحن نرى فيكم سندًا قويًا للعروبة، ودعمًا لظهورنا لا جدوى من التخلي عنه!
دار هذا الكلام وقتها في ريبة ما كان يدور في حرف سفيان من حركات في أيام الاعتكافات الشهيرة للسيد علي سالم البيض ومآلاتها.. وعند عتبات وداعنا لكم أو وداعكم لنا.. شكرناكم على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.. وعلى هداياكم الغالية.. وأذكر لمعالي السيد يوسف بن علوي قوله المخلص: نصيحتنا الأغلى لكم هي ألا تفرطوا بأي ثمن في وحدتكم.. صدقوني فأنا المجرب!
نطق بن علوي عبارته الأخيرة بصوت خفيض ينم عن التواضع والصدق، وهو يتذكر أو يذكر بأحوال السلطنة أيام قيادته لجبهة تحرير عمان، ورجاحة عقل قابوس العظيم وخوازيق بلادنا اليمن الديمقراطية الشعبية وإقلاعها عن دق الأسافين بين العمانيين.. وكان ذلك التوقيت بالضبط هو الذي استفاقت فيه قيادتنا.. هزمت مؤامراتنا على الغير.. والتفتت إلى مؤامراتها على نفسها إلى درجة الانتحار!
كانت مأساتنا في اليمن الديمقراطية الشعبيه تكمن في الكمين المتكرر الذي أذاقنا الويلات منذ استقلال البلاد، كلما بلغ زعيم الحكم فينا درجة نضجه، برز له معارض ليطيح بحكمه... وهكذا دواليك، إلى أن انهارت الدولة التي كنا نعيشها.. ونعيش اليوم علامات فنائها!
ومع ذلك، يطيب لي أن أذكر وأتذكر أن الذي لا يصدق أن التاريخ يعيد نفسه، هو الغلطان.