توكر كارلسون والخطوط الحمراء:
فجر المذيع الشهير توكر كارلسون Tucker Carlson، وفي محاضرة له ألقاها يوم 11 يوليو 2025، في مؤتمر الطلبة لشباب الحزب الجمهوري المحافظين في فلوريدا، تساؤلًا كان وعلى مدى من السنين من المحرمات أن يسأل ليس بين السياسيين فحسب، ولكن بين عموم المواطنين في أمريكا، وذلك من خلال تركيزه على قضية تدور الآن رحاها بين المواطنين الجمهوريين والديمقراطيين، بفضيحة أبستين التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، إذ كان من المفترض أن يتم نشر حيثياتها ومن هم المشاركون فيها، وذلك بتعرضه للتساؤل الجري: من هو جفري أبستين Jeffrey Epstin الذي أثار زوابع من الجدل بعد فضيحته الجنسية وحفلاته الماجنة التي استدرج إليها قائمة من كبار السياسيين والمشاهير، وابتزازهم في قضية متعة الفتيات الأطفال في جزيرته النائية المجهزة بكل وسائل الحماية، وفي مقرات إقامته الباذخة، مما ترتب عليها من أضرر سياسية واجتماعية كبير، محدثة تصدعات انشق فيها الحزب الجمهوري على نفسه حول أخلاقية المسألة تلك، لا سيما وأنه قد ألقي عليه القبض متلبسًا في العام 2019، وتم التحقيق معه وسجنه انفراديًا لكي يحافظ عليه ويخضع للمحاكمة العادلة، إلا أنه كما أشيع أقدم على الانتحار في السجن، وتمت مراجعة كاميرات المراقبة والتصوير، ووجدوا أن هناك دقيقة واحدة فقط تم فيها التشويش على المشهد انقضى فيها الأمر، وانتشرت الأخبار عن انتحاره وسط حالة من الذهول، إذ صرح أخاه مارك أبستين Mark Epstin، في إحدى المحطات، بأن أخاه قد تمت تصفيته أو إسكاته بفعل فاعل كبير، وقد كان صديقًا لهؤلاء وغيرهم من المؤثرين من ذوي النفوذ.
اندفع تيار الأسئلة، وتمحورت حول مركزية كيف حدث ذلك لأبستين؟ ومن هو جيفري أبستين؟ وما عمله؟ الحقيقة أنه لا يعرف عنه الكثير من هو كونه كان مدرسًا بسيطًا وبدون مؤهلات، ولكنه أصبح يملك الشقق الفارهة في أغلى المناطق، والطائرات والجزيرة النائية التي لا يصلها أحد إلا بالطائرة. من أين له الثروة والقوة؟ وضع توكر التساؤل منتهكًا التابو السياسي الذي وقف عائقًا أمام حرية التعبير، ومضى توكر يقول من هو أبستين؟ وما هويته الحقيقية؟ مردفًا بإجابته المدوية بأن أبستين هو عميل إسرائيلي، ويعمل لصالح إسرائيل بصفة عامة، وبالذات لجهاز الموساد بالتحديد. ويضيف أيضًا أن لدى الأمريكيين الحق وبدون خوف وبصوت عالٍ في حصولهم على إجابات واضحة من إسرائيل، بخاصة وأن إسرائيل تمكنت، ومن خلال عقود السنين الماضية، من إقناع الأمريكيين عبر حملاتها ودعواتها للسياسيين والمواطنين من الطلاب من ترتيب زيارات دعائية لإسرائيل، علاوة على امتلاكها أو لأياديها للقوة الإعلامية، معطية بذلك انطباعًا للأفراد بأن أي تساؤل عما تقوم به أعمال مهما كانت هي خطوط حمراء محرمة ينبغي عدم التعرض لها، بل لا تقال أو تثار من باب أولى. مضيفًا بسؤال وصفه بأنه مشروع هل يا إسرائيل عملت ذلك في أرضنا؟ مؤكدًا أن إسرائيل كدولة هي وراءها، وكذلك هناك أعمال عبر منظمتها الأمريكية الآيباك، قامت بالعديد من الممارسات في اللعب بالعملية السياسية والانتخابية لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي. مشددًا أن من حق المواطن الأمريكي أن يتساءل دون خشية ويجد الإجابات الشافية، فالمواطن له كامل الحرية بأن يقول ويشاهد ما يشاء بصوت مسموع، وألا يصمت أمام القضايا التي تمس بسيادته، فهو ليس عبدًا لأحد، ولا بد من معرفة الحقيقة.
طلبة الجامعات وتحريك المياه الراكدة:
تأتي هذه التساؤلات بعد دور الجامعات الأمريكية في مناهضة أعمال التصفية العرقية والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في وضح الشمس، والتي كان ممنوعًا الحديث عنها أو التظاهر ضدها، وتم قمع الطلبة المحتجين في الجامعات الأمريكية الرائدة مثل هارفارد وكولومبيا، والعديد من الجامعات التي حركت المياه الرائدة، وقذفت بكرة الوعي السياسي إلى ملعب الشعب الأمريكي، ليعرف فاضحًا ما يدور في السياسة الأمريكية، ويبحث مطلعًا وعن كثب وعمق الحقيقة المغيبة على الساحة الأمريكية لزمن طويل، بفعل التعتيم على القضية الفلسطينية التي تأخذ مكانها اليوم في الرأي العام الأمريكي، وهذا الدور للطلبة هو استثمار سياسي لم تستطع الدول العربية البترولية أو غيرها إحداثه في وجدان ووعي الشعب الأمريكي وعلى الأرض مهما كانت ثرواتهم.
يلاحظ الشعب الأمريكي الدور المتزايد المحموم الذي تقوم به منظمة الآيباك، ومحاولاتها لجر أمريكا للحروب التي هي في عنى عنها، بل تأثيرها الديمقراطي السلبي وطرق ارتباطها بالسياسيين التابعين الممولين انتخابيًا، واشتراطها وتحكمها بقرارات الأعضاء المؤيدين بفعلها وتجيير مواقفهم لإسرائيل، والتي تعمل كمنظمة غير ربحية جامعة للتبرعات ينبغي تسجيلها لأن أعضاءها مواطنون أمريكيون، ومنهم من يحمل أيضًا الجنسية الإسرائيلية أو خدم في جيشها، وقد لعب هؤلاء السياسيون دورًا هدامًا كرأس حربة موجهة لصدور الطلاب المحتجين والمناصرين لحقوق الإنسان.
أبستين وانشقاق الحزب الجمهوري:
بروز فضيحة أبستين جاءت من خلال الشقاق والخلاف الذي دب وارتفع صوته بين الرئيس ترامب ومناصره صديقه اللدود إيلون ماسك الذي مول بأكثر من 250 مليون دولار حملة ترامب للفوز بانتخابات نوفمبر 2024، والذي أدى إلى اختلال توازن السلطات الثلاث، ومرر فيه الرئيس ترامب في الرابع من يوليو 2025، عبر أغلبيته المريحة في الكونجرس، القانون الكبير الجميل The Big Beautiful Act المخطط للمرحلة القادمة، والذي تجاهل دعم صناعات السيارات لماسك، لهذا توالت تغريدات ماسك عبر شركته X، مدعيًا أن ترامب جزء من فضيحة أبستين، والتي تسلمت الأجهزة الإدارية لترامب إدارتها، والتي وعد ترامب شخصيًا بفتحها حال فوزه، أسوة بقضية كنيدي ومارتي لوثر كنج، ولم يعمل، وكان رد فعل ماسك في عملية كسر عظم بأن أعلن عن تأسيس حزب ثالث (الحزب الأمريكي) الذي سيضطر الملايين من أنصار الحزب الجمهوري، وبخاصة الشباب الوطنيين، للالتحاق بركبه كسفينة بديلة للنجاة، وتعزيز قيم الديمقراطية والحرية في الاختيار السياسي دون رقيب أو تهديد.
ولكن ما حدث كردود أفعال بين أركان الإدارة الأمريكية، كان بمثابة الصدمة للشعب الأمريكي، بخاصة تصريح المدعية العامة بام بوندي بأن ملفات أبستين وقائمة الأشخاص المشاركين موضوعة على طاولتها، ولكنها ما إن تراجعت وقالت لا توجد قائمة في الأساس، وعلى إثر ذلك التصريح قدم نائب رئيس مكتب التحقيقات FBI استقالته، كما يحتمل إذا احتدت الأمور أن يقدم أيضًا رئيسها كاش بتال تبعًا استقالته كمدير للمكتب، مما يثير زوبعة كبرى في أوساط المحافظين وسط دعوات بأن هناك تلاعبًا مقصودًا وغيابًا للشفافية في الإدارة الأمريكية، وذلك في محاولة إخفاء الحقيقة في عملية مشبوهة لا يمكن أن تمر مرور الكرام دون توضيح الحقيقة كاملة لا منقوصة للشعب الأمريكي، بل التحقيق وإظهار من يقف وراء تلك الفضيحة دون تستر، والتي تعصف اليوم بالرأي العام الأمريكي التواق لمعرفة الحقيقة وحدها بما جرى ويجري لتتحقق العدالة، وغير ذلك فالمخرجات والعواقب وخيمة على الإدارة الأمريكية.
فيرفاكس فرجينيا
12 يوليو 2025