صنعاء 19C امطار خفيفة

هل تم إخماد نيران المواجهة بين إسرائيل وإيران؟

لا يبدو أن نيران المواجهة بين طهران وتل أبيب سوف تخمد إلا لفترة معينة وتعود من جديد؛ بمعنى أن النزال لم ينتهِ بعد، بخاصة في ظل استمرار إعلان إيران التاكيد على حقها في استمرار تخصيب اليورانيوم، علاوة على غبار التقارير التي تشير إلى أن مفاعل فوردو لم يتم تدميره بالكامل، رغم إصرار الإدارة الأمريكية والإسرائيلية على التأكيد على ذلك.

 
الضربات الأمريكية في ٢٢ يونيو، لم تقضِ على المشروع النووي الإيراني، حتى من باب الطموح الإيراني والرغبة الإيرانية في الوصول إلى حلم الانضمام إلى نادي الدول النووية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتنياهو الذي أطلق في ١٣ يونيو عمليته العسكرية ضد طهران، أعلن أيضًا أن باب العودة إلى ضرب أي طموح إيراني مستقبلي، مايزال مواربًا، وبالتالي فإن هذا يبقي المواجهة بين الطرفين مفتوحة.
لعل السؤال من الرابح والخاسر في حرب الـ١٢ يومًا، هو الأبرز في ظل تصريحات الطرفين بشأن الانتصار رغم أن الأمور جلية وواضحة. إيران وكعادة أية دولة أو جماعة أيديولوجية، لا تمتلك الشجاعة في الإقرار بالهزيمة، أو الإقرار بأن ما حدث على مستوى الانكشاف الاستخباراتي على الأقل، انتكاسة كبيرة، يتحمل النظام المسؤولية عنها، ويقبل المحاسبة. لا بل إن مثل هذه الأنظمة الأيديولوجية الدينية تبرع في تحويل الانكسارات والهزائم إلى انتصارات، وبالتالي تصر على أنها انتصرت.
 
قد يبدو الأمر كذلك، ولكن ما هو نوع الانتصار الذي تعنيه؟ هل الحفاظ على نظام المرشد الأعلى مقابل التضحية بالمشروع النووي، وبالتالي الاستسلام بالقوة لرغبة إسرائيل وواشنطن بتفكيك ما تبقى على طاولة المفاوضات؟ أم أنه انتصار في القدرة على إرسال الصواريخ إلى إسرائيل حتى وإن كانت الأضرار قليلة جدًا مقارنة بخسائرها؟ فعلًا تمكنت الصواريخ الإيرانية من زعزعة الأمن في الشوارع الإسرائيلية، والزج بالشعب الإسرائيلي وحشره في الملاجئ لساعات، وإيقاف حركة الملاحة الجوية، وتحقيق بعض الأضرار هنا وهناك، ولكن هل هذا يكفي في معادلة الانتصارات والهزائم من منظور جيواستراتيجي وعسكري؟ إذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن إيران هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة التي لم تكن راغبة في خوضها لولا الرغبة الإسرائيلية الجامحة في عدم تقويت فرصة تاريخية كهذه لضرب المقدرات العسكرية الإيرانية وبرنامجها النووي. هذا علاوة على مقتل العشرات من العلماء النوويين الذين يشكلون عصب البرنامج النووي الإيراني، وكذلك مقتل وإصابة عدد من قياداتها العسكرية ومن المدنيين.
 
الانكشاف الذي بدا عليه حال النظام الإيراني أمام الموساد الإسرائيلي، كان هو الآخر هزيمة كبيرة وإهانة في عقر داره. ليس هذا فحسب، بل إنه هزيمة بطعم علقم الإذلال والاستخفاف في آن واحد... أن ينفذ الموساد ضربات بالمسيرات والصواريخ من داخل الأراضي الإيرانية، ومن مخازن تابعة للحرس الثوري الإيراني، فهذا تعبير فاضح عن الرغبة الجامحة في الإذلال.
وقبل ذلك عطلت إسرائيل قدرات إيران في توجيه أكثر من ضربة في وقت واحد (وحدة الساحات) من خلال ضرب أدواتها المسلحة في عدد من الدول التي كانت تفاخر بأنها أصبحت تسيطر على عواصمها.
 
في المقابل، فإن خسائر إسرائيل، وهي أيضًا دولة تحركها أيديولوجية دينية توسعية، كانت كبيرة، لكنها ليست كذلك إذا ما قورنت بخسائر طهران... إسرائيل خسرت عددًا من البنى التحتية وعشرات القتلى من المدنيين، علاوة على درعها الصاروخية التي تعرضت لاختبار حقيقي، واختراقات بعد تمكن بعض الصواريخ الإيرانية من اجتيازها والوصول إلى بعض الأهداف، وإن كانت أهدافًا غير مركزة وعشوائية. لكن ما من شك أن هذه الحرب أنهكت إسرائيل، كما إيران، حسب تعبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
 
إيران التي تقول إنها تدعم القضية الفلسطينية وحماس، ماذا ستفعل الآن مع ما تبقى لها من أذرع، لإبقاء نار محور المقاومة ملتهبة؟
من الواضح الآن أن النظام الإيراني قرر عدم الانتحار تحت يافطة الشعارات الكبيرة، وفضل البقاء كلاعب في المساحات المتاحة له في الإقليم. لكن، وبحكم طبيعة تركيبة النظام، لا يبدو أن تلك الضربات الموجعة ستشكل درسًا في تغيير سلوكه، ووقف تصرفاته ونهجه التوسعي والرغبة في السيطرة وتحويل المنطقة إلى دولة شيعية كبيرة تقودها طهران، وبالتالي سيتجه إلى التركيز على الأهداف التنموية الداخلية والتخفيف من حدة القبضة البوليسية على البلاد، بعد أن ضحى بمقدراته النووية مقابل الإبقاء على رأس النظام. إذ إن الأيديولوجية الدينية التي تمثل محور ارتكاز النظام وعموده الفقري في الهيمنة والسيطرة على البلاد، ستظل الدينامو المحرك والمحدد لتصرفات وسلوكيات النظام وعلاقته بالإقليم والعالم، وبالتالي ربما لن يتوقف عن جر البلاد إلى مزيد من الأزمات و الصراعات.
الطائر الإيراني الجريح الخارج من معركة قاسية، يحتاج إلى وقت كبير لتضميد جراحاته ونفض غبار الضربات الإسرائيلية/ الأمريكية، ومواجهة تداعيات ذلك وانكشافه أمام الشارع الإيراني.
 
لكنه، وبعد هذه المعركة، هل سيخضع النظام إلى مراجعة على الأقل مع الذات، ومكاشفة مع نفسه في ما عمله على مدى عقود من إهدار مليارات الدولارات على دعم مليشيات مسلحة وجماعات ما دون الدولة، وبالتالي نشر الفوضى والطائفية في المنطقة؟

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً