من الجدير بالذكر، إن المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، ومن البحر المتوسط إلى بحر العرب والمحيط الهندي، ابتليت بمشاريع توسعية منذ السبعينيات من القرن العشرين، بهدف إحكام السيطرة على النفط، والغاز، والمعادن، والموقع الاستراتيجيي للتجارة العالمية.
وبناء عليه، شهدت المنطقة صياغة "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، المعلن رسميًا من قبل السيدة كونداليزا رايس (2007 م)، والتي عملت كمستشارة في البيت الأبيض (26 يناير 2001 -20 يناير 2005م) في الفترة الرئاسية الأولى لجورج دبليو بوش، ووزيرة الخارجية في فترة رئاستة الثانية (20 يناير 2005 -20 يناير 2009م).
وتمر الأيام، ويشتد التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، مما زاد أهمية المنطقة. وفي عام 2015م، وبفترة الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009 -19 يناير 2017م، عقدت إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن: أمريكا، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، مفاوضات من 26 مارس إلى 2 أبريل 2015م، في مدينة لوزان بسويسرا، من أجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام. وقد انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق إبان رئاسته الأولى (20 يناير 2017 -2021م)، وجاء بعده الرئيس جو بايدن خلال الفترة (20 يناير 2021 -2025م)، ثم تولى الرئاسة بعده من جديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب (20 يناير 2025م)، وعادت مشكلة البرنامج النووي مع إيران مرة أخرى بعد أن رفعت إيران تخصيب اليورانيوم من 3.7% إلى 60%، مما يؤهلها بعد رفع التخصيب إلى 90% على صنع قنابل نووية، حسب مدير وكالة الطاقة النووية رافايل غروسي.
ومن هذا المنطلق، وفي خضم الأحداث الجارية انعقدت مفاوضات مكوكية بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان وروما حول البرنامج النووي الإيراني، ولم يطرأ أي تقدم فى المفاوضات، أدى إلى اعتداء إسرائيل على إيران في 13 يونيو الجاري (2025م)، بضوء أخضر أميركي، ناهيك عن دعمها ومساندتها لوجستيًا.
وقد توقفت المفاوضات تمامًا بعد استهداف أميركا المنشآت النووية الإيرانية الثلاث: "فوردو" على عمق يتراوح من 80 إلى 100 متر، بواسطة القاذفات العملاقة B2، و"نطنز"، و"أصفهان"، فجر يوم 22 يونيو الجاري، بهدف الضغط على إيران للتفاوض حول وقف التخصيب وتفكيك برنامجها النووي، وأصبح الأمر معقدًا بعد الانتهاك الأميركي الصارخ على منشآتها النووية، علاوة على اتهامها وكالة الطاقة النووية بالمسؤولية عن انحيازها للغرب، تخللها ارتفاع أصوات دول عديدة تندد بالاعتداء الأميركي السافر على تلك المنشآت، في الوقت الذي تتفاوض فيه إيران مع الولايات المتحدة الأميركية لحل الخلافات حول برنامجها النووي للأغراض السلمية.
وتؤكد إيران أنه قبل يومين من قصف منشأة "فوردو" النووية، تم نقل اليورانيوم المخصب من المنشأة بالشاحنات، وتحديدًا يوم 19 يونيو الجاري، إلى أماكن آمنة وحصينة، وتعددت آراء المحللين في هذا الشأن، إذ ذهب البعض قائلًا إن أميركا لم تكن على دراية بنقل اليورانيوم المخصب من المنشأة "فوردو"، ومنهم من قال إن اليورانيوم المخصب طمر تفاديًا للإشعاعات، وذكر آخرون أنه تم نقل اليورانيوم المخصب بالتنسيق مع الولايات المتحدة كسيناريو لتجنب المواد المشعة، شريطة أن تعود إيران للتفاوض بخصوص برنامج نووي للأغراض السلمية.
وجاء الرد الإيراني على كل تلك الأطروحات، أنه من حق إيران التخصيب لأغراض سلمية، وليس هناك صفر تخصيب، ولها الحق أيضًا في الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. فهي لم تبدأ بالاعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وإنما هما اللتان استهدفتا الأراضي الإيرانية، بما يخالف القانون الدولي. كما طلبت إيران من مجلس الأمن أن يجتمع حول الاستهداف الأميركي على منشآتها النووية وانتهاك سيادتها.
حقيقة الأمر، إن المفاوضات الدبلوماسية استمرت قرابة شهرين، غلب عليها طابع الأخذ والرد، دون الوصول إلى حل نهائي بين أميركا وإيران، وكلا الجانبين لم ينزلا من على شجرة التشدد.
وفي نفس السياق، أعربت جمهورية روسيا الاتحادية عن مساعيها الحميدة للتوسط، وماتزال، بين إيران والولايات المتحدة الأميركيّة، حول برنامج إيران النووي، كما حاولت الصين وتركيا القيام بالوساطة مراعاة لعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية.
وقد عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقل اليورانيوم المخصب من إيران إلى روسيا، ويبدو أن هناك محاولات جادة في هذا الصدد، وتم أيضًا اقتراح تجمع إقليمي (كونسورتيوم) للتخصيب خارج الأراضي الإيرانية، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية، إلا أن إيران رفضت خروج اليورانيوم المخصب من أراضيها.. ومايزال القصف المتبادل مستمرًا على مدار الساعة بين إسرائيل وإيران، وبخاصة على المنشآت الصناعية والطاقوية من ناحية، واستهدافات البنى الأساسية على المنشآت الإيرانية النووية والصاروخية الباليستية، بدعم ومساندة أميركية.
إن دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية، تترقب رد الفعل الإيراني العنيف المتمثل بخيار "شمشون"، انتقامًا من الاستهدافات الأميركية على أراضيها، وذلك بغلق مضيق هرمز وضرب المصالح الأميركية في المنطقة.. ويعتبر محللون اقتصاديون أن إيران هي من ستتأثر كثيرًا نظرًا لأوضاعها الاقتصادية وأحوال السكان الصعبة، ويستبعدون إقدامها على ذلك. وربما تعود إيران للجلوس على طاولة المفاوضات.
من جانب آخر، أدانت الدول العربية عامة، وفي مقدمتها السعودية ومصر، الاعتداءات الإسرائيلية والأميركية على إيران، كموقف عربي موحد، وأكدت أن الحل الوحيد المرتجى هو دبلوماسية التفاوض والتوصل إلى حل يفضي إلى برنامج إيراني للأغراض السلمية، وكذا المطالبة بشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، تنعم دوله بالأمن، والأمان والاستقرار.
ونحن بانتظار اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، حسب وسائل الإعلام فجر يومنا هذا 24 يونيو، كما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انتهاء الحرب خلال 24 ساعة. ومن المتوقع أن يعقد اتفاق نووي جديد بين أميركا وإيران، والدول الموقعة في 2015م.
فلننتظر ما سيستجد في الساعات والأيام القادمة.
ومهما كانت الأمور، إلا أن مشروع إسرائيل التوسعي قد قفز خطوة إلى الأمام، وأتمنى ألا يتحقق. والأمور أولًا وأخيرًا مرهونة بخواتمها، وهذا هو بيت القصيد.