صنعاء 19C امطار خفيفة

جدلية القيادة والتحالفات في المشروع الجنوبي!

في الوقت الذي تتحدث فيه القيادات عن الديمقراطية والشراكة والتجديد، نجد أن الواقع السياسي الجنوبي يسير في اتجاه مختلف تمامًا، حيث يغيب مبدأ التدوير الوظيفي داخل المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل شبه كامل، وتستمر ذات الوجوه في الواجهة، وعلى رأسها السيد عيدروس الزُبيدي الذي يتصدر المشهد القيادي منذ سنوات دون أن تُمنح الفرصة لقيادات أخرى لإثبات كفاءتها وقدرتها على صنع الفارق، وهو أمر يبعث على القلق ويُثير تساؤلات عميقة حول جدية الحديث عن الديمقراطية والمشاركة الحقيقية في صناعة القرار.

إن الإصرار على قيادة واحدة مهما طال الزمن، دون مراجعة أو محاسبة أو تداول سلمي للمهام، يتنافى مع مبادئ الدولة المدنية ويُضعف ثقة الشارع الجنوبي في المشروع السياسي الذي يرفع شعارات التغيير والحرية. ومن غير المقبول أن يتحول العمل السياسي إلى واجهة مُغلقة تُعيد إنتاج نفسها على حساب معاناة شعب بأكمله، يعيش ويلات الأزمات الاقتصادية والتدهور المعيشي والخدماتي والانقسام المجتمعي.

أما على مستوى التحالفات، فإن الإصرار العجيب على التمسك بنفس الحليف الذي فشلت شراكته في تحقيق الحد الأدنى من تطلعات الجنوبيين، يُعد رهانًا خاسرًا استنزف الكثير من الوقت والجهد والفرص. إن الإخفاقات المتراكمة في الملفات السياسية والعسكرية والخدمية تُؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الخط لم يعد مُجديًا، ولا يمكن أن يقود إلى مستقبل أفضل ما دام الاستمرار فيه يتم دون مراجعة نقدية أو بدائل واضحة.

وفي هذا السياق، يصبح من الضروري التفكير الجاد في إعادة صياغة خارطة التحالفات بناءً على المصلحة الوطنية الجنوبية، وليس وفق حسابات التبعية أو الرهانات الإقليمية التي أثبتت عجزها وفشلها. يجب أن يكون المعيار الوحيد لأي حليف هو مدى استعداده الصادق لدعم تطلعات الجنوبيين في التحرر والاستقرار والتنمية، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو خلفيته السياسية، فالشعوب الحية لا تُقيد إرادتها بخيارات محدودة إذا ثبت فشلها، بل تبحث عن البدائل بكل شجاعة ومرونة.

إن المرحلة التي نمر بها تتطلب من جميع القوى الوطنية الجنوبية أن تتحلى بالمسؤولية، وأن تُدرك أن بقاء الأمور على ما هي عليه لا يخدم إلا من يتاجر بمعاناة الناس، ويحول النضال إلى وسيلة للبقاء في المناصب، لا وسيلة لبناء الدولة. وإن الصمت عن هذا الواقع لم يعد خيارًا، كما أن التغاضي عن ضرورة التغيير سيُفقد المشروع الجنوبي مصداقيته أمام قاعدته الشعبية وأمام المجتمع الإقليمي والدولي.

آن الأوان لأن يفيق الرفاق من وهم الإنجاز الزائف، ويُعيدوا حساباتهم، ويضعوا مصلحة الشعب فوق أي اعتبار، فالشعب الذي تحمّل كل هذه التضحيات لا يستحق أن يظل رهينة قرارات فردية وتحالفات عقيمة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً