قنبلة «آيات الله» الذرية

محمد فارع الشيباني - قنبلة «آيات الله» الذرية

في كتابه «مدافع آيات الله» قال الصحفي والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن الثورة الإيرانية التي اسقطت الشاه وقادها آيات الله، إنه لا مبرر للخوف منها -وكان بالطبع يقصد العرب في غرب الخليج العربي- ولا الخوف من زحفها نحوهم او حتى تأثيرهاالمباشر أو غير المباشر. وشبه ثورة آيات الله مثل المدافع التي تقصف من بعيد قد تدمر وتحرق ولكن لاتستطيع الإحتلال او الاستيلاء على الأرض لأن ذلك يحتاج إلى مشاة أو الجنود المشاة الذين يزحفون ويستولون على الاراضي.. ولأجل ذلك فلا خوف على الخليج من آيات الله؛ لأنهم إذا كانوا فعلاً قادرين على القصف من بعيد وإحداث أضرار فإنهم لن يستطيعوا احتلال الجانب العربي من الخليج.
يومها وحسب الظروف السائدة ربما كان ذلك صحيحاً وقد كانت الثورة في ايامها الأولى ووقوفها من الوهلة الاولى مع قضية العرب الاولى فلسطين، وما يعرف عن العرب من تغليب العاطفة على العقل، قد أعطى ذلك الإنطباع. وهنا أذكر تصريحات مشهورة لتحديد المواقف حدثت بين الصين والاتحاد السوفييتي اثناء خلافهما المشهور منذ أدلى الرئيس ماوتسي تونج قائد ثورة الصين بتصريح مستخفاً بقوة أميركا وقدرتها العسكرية فقال: «إن الإمبريالية نمور من ورق»، فرد عليه خروتشوف الزعيم السوفييتي آنذاك قائلاً: «ولكن لديها أنياب ذرية» وكان خروتشوف يريد أن يوضح أنه حتى ولو كانت الإمبريالية الأمريكية من ورق فإن أنيابها الذرية تجعلها خطرة وبذلك كان خروتشوف محقاً عن ما يعنيه إمتلاك دولة ما للقنبلة الذرية ومدى القوة التي تضيفها لأي دولة حتى وإن بدت ضعيفة، وذلك كلام لم يُقل للتسلية أو في مجال حرب كلامية لكسب إعلامي ولكن كان تعبيراً عن حقائق وعن واقع يفرض نفسه بقوة القنبلة الذرية، وذلك ما عمله الصينيون وسعوا ونجحوا في الحصول على ذلك السلاح الرهيب. وهذا يؤكد لنا حقيقة مرة، وهي أن هناك فرقاً بين مدافع تقصف من بعيد وقد تدمر ولكن المدافعين يبقون أحياء للرد والدفاع وبين قنبلة ذرية لا تترك ولا تذر حجراً أو بشراً بل كل أشكال الحياة ولمدة أجيال كبيرة، وحتى إن لم تستعمل فإن امتلاكها بحد ذاته يضيف قوة استراتيجية لمن لديه هذا السلاح وضعفاً لمن يقع في المجال الجغرافي لتهديدها؛ لأن مالكها يستطيع أن يفرض إرادته تحت التهديد باستعمالها عند الضرورة ويضطر الطرف الآخر المهدد أن يقبل مرغماً وخوفاً من لحظة تهور من الجانب الآخر قد تدفعه لاستعمالها. وهذه المعادلة الصعبة اصبحت تواجه ليس منطقة الخليج والدول العربية فيه بل المنطقة كلها منذ ان تم اكتشاف ان حكام إيران من آيات الله يسعون سراً لصنع قنبلة نووية كما اصبحت مصالح الدول الكبرى مهددة أيضاً وخاصة ان هذه المنطقة تمد تلك الدول بما تحتاجه من الطاقة وهي دول ذات اقتصاديات كبيرة تعتمد على ما يأتيها من الخليج من بترول بدءاً من اليابان مروراً بالصين وعبر اوروبا إلى أمريكا. إن هذه المعادلة الصعبة التي نشأت لأن تلك الدول لن تسمح لأي دولة أن تهدد امدادات الطاقة اليها بأن تصبح دولة نووية قادرة على تهديد مصالحها ورفاهية شعوبها. ومن هنا يأتي الموقف الرافض لامتلاك ايران السلاح النووي. وحتى لا أفهم خطأ فأنا أرى من حق ايران ان تمتلك السلاح النووي كسلاح رادع ودفاعي لحماية ثروتها من مطامع الآخرين ولكن من يستطيع ان يعطي ضمانات أن لا يتحول ذلك السلاح إلى اداة لتنفيذ مطامع آيات الله في المنطقة ليس في الخليج وحده بل في الشرق الأوسط كله؟ والجواب حسب اعتقادي هو لا أحد يستطيع أن يقدم تلك الضمانات، وكما يقول العرب هنا مربط الفرس. أما حديث الاستاذ عمر موسى، أمين عام جامعة الدول العربية عن أن على عرب الخليج الخوف من القنبلة الذرية الإسرائيلية وليس الإيرانية فإنه مع احترامي الشديد له غفل عن التاريخ القديم وعن الأخطار التي واجهتها الجزيرة العربية وخاصة الجانب الواقع منها في الخليج الذي يصر آيات الله في ايران ان يطلقوا عليه «الخليج الفارسي» الذي حتى الآن يطالبون الكويت بالثروة الموجودة في بحر الكويت ولا يعترفون باستقلال مملكة البحرين ويحتلون حتى الآن جزر الامارات العربية. وإذا كان بين العرب من يعتقد أن قنبلة إيران هي ضد اسرائيل ومن أجل تحرير فلسطين فهو واهم فكما قنبلة باكستان لم تكن اسلامية بل كانت من اجل باكستان فقط فإن قنبلة آيات الله لن تكون لفلسطين أو العرب هذا إذا لم تكن ضدهم وخاصة عرب الخليج.
وعلى العرب الذين يملكون اكبر ثروة عرفتها البشرية حتى الآن من طاقة ومال، إذا أرادوا أن يحافظوا عليها من مطامع الآخرين وهم والحمد لله كثير أن يمتلكوا قوةالردع النووية. أما التشدق بأنهم ضد إنتشار السلاح النووي إرضاءً لمن يمتلكونه ولا يريدون للآخرين ان يحصلوا عليه فليس كلاماً حضارياً وكلاماً مسؤولاً بل هو كلام من يجهل أو يتجاهل حقائق الأشياء وخاصة الاستراتيجية منها في الدفاع عن الأمن القومي.. ويا عربان ديرتنا الخطر قادم الطاووس الشاهناشاهي قادم وهذه المرة بمنقار ذري فماذا انتم فاعلون؟