شدة التكالُب في استقطاع الرواتب

شدة التكالُب في استقطاع الرواتب - عبدالسلام التويتي

عملية الانضباط أو ما يُطلق عليه – مجازًا- الضبط والربط في أوساط العسكريين من الدقة والأهمية بحيث لا يمكن تحقيقها على الوجه الأكمل بمعاقبة المخالف أو الغائب باستقطاع بعض الأقساط المالية من الراتب، لذا جرت العادة ونصت القوانين العسكرية واللوائح التنظيمية على أن تُتخذ ضد مرتكبي المخالفات من العسكريين- ومنها مخالفة الغياب- إجراءات عقابية أكثر فاعلية تتناسب وحجم المهمة الوطنية الجسيمة الملقاة على عاتق المؤسسة الدفاعية، من تلك الإجراءات العقابية- على سبيل المثال- السجن أو الحجز في مقارِّ الأعمال، على أن لا يُمسَّ راتب الفرد أو الضابط بسوء على أيّة حال، بل إن القائد العسكري الناجح هو الذي يُفعِّل مبدأ الثواب أكثر من تفعيله مبدأ العِقاب فيتخذ من الإكراميات والمكافآت المالية الرمزية للمنضبطين والمثاليين من ضباطه وأفراده وسيلة لتعزيز الانضباط العسكري في أوساط منتسبي وحدته العسكرية قتالية كانت أو إدارية.
بيد ان أكثر القادة العسكريين في معظم وحدات مؤسستنا الدفاعية – حرصاً منهم على رفد خزائنهم الشخصية بما أمكن من الموارد المالية- استبدلوا منذ زمن الإجراءات العقابية العسكرية التي كانت سائدة باستقطاع ما أمكن استقطاعه من الراتب الذي لا يكاد يفي بتوفير الحدِّ الأدنى من متطلبات المعيشة، الأمر الذي أدى إلى شيوع التذمُّر في أوساط العسكريين بشكل مستمر، حتى أصبح ذلك معلومًا لدى القيادة السياسية والعسكرية العليا التي خشيت بدورها من أن يترجم ذلك التذمر إلى نوع من التمرُّد أو يؤثر – على أقل تقدير- في مستوى الولاء لقيادتنا السياسية والعسكرية العليا، مما حمل الأخ الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة على توجيه القادة الأجلاء في مؤتمرهم السنوي الحادي عشر الذي انعقد في يناير الماضي بإلغاء ما اعتادوا عليه من خصم منبهًا إياهم إلى خطره مؤكدًا لهم ان كل من يقترف جُرم الخصم منهم إنما يطعنه في ظهره، وبالفعل وعى المؤتمرون من قادة القوات المسلحة ما أُلقي لهم من توجيه وفطنوا إلى ما سمعوه من تنبيه فازدجروا عمّا نُهوا عنه ولكن لمدة شهر وحيد وليس بعده من مزيد، إذْ لم يكد الضباط والأفراد ينعمون بفرحتهم بتسلُّم رواتب شهر يناير كاملة حتى صُدموا بعودة شبح الخصم من رواتب شهر فبراير بصورة عاجلة وربما قبل أن يجف حبر توجيهات فخامة الرئيس بمنع الخصومات، وكأن توجيهاته وأوامره وقراراته رهنٌ بفترة صلاحية لا تتجاوز الشهر الواحد، ولنا في انتهاكها من قِبل القادة وضربهم بها عرض الحائط أقوى دليل وأصدق شاهد.