عنَّا والكويت

عنَّا والكويت - محمد الغباري

يعتقد النائب الكويتي مسلم البراك أن أهم إنجازاته على الإطلاق هي شتم اليمن واليمنيين، بمناسبة وبدون مناسبة، بحُجَّة الانتصار لمشاعر الكويتيين.
قبل نحو ثلاثة أعوام أو يزيد، كان البراك قد استنفر كل ماضيه، وصنع لنفسه بطولة القول أنه حصل على وثيقة تؤكد أن الرئيس علي عبدالله صالح نصح الرئيس العراقي السابق بغزو الكويت. وعلى هذا الوتر ظل يعزف نغمة البذاءات ضد اليمنيين، حتى بدا وكأن ذِكْر اليمن أو ما يتصل به، يصيب الرجل بسعار لا شفاء منه.
كانت الانطلاقة المبجلة لهذا الرجل مع بداية الانفراج في العلاقة بين صنعاء والكويت والتي عصفت بها أحداث احتلال العراق للثانية وما تبعها من تداعيات. وبعد أن استنهض البراك مقومات الشتم لديه، أعلن نفسه حامي حمى الكويتيين، وجنَّد ذاته الفارغة للانتقام، حتى تجاوز كل قواعد الاخلاق، ولم يعد يفرِّق بين الاختلاف في المواقف السياسية والاساءة لشعب تعداده يقارب العشرين مليون نسمة.
الاسبوع الماضي كان البراك، الذي نسيَه الناس في زحمة الاهتمام بقضايا أهم وأكبر من الشتم، عاد شاهراً سيف القبح والبذاءات ولم يترك صفة أو نعتاً بذيئاً إلاَّ واستخدمه لاستنكار احتضان العاصمة اليمنية لحفل تأبين الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
ومع أن عواصم عربية كثيرة شهدت مثل هذه الفعالية، والمنطق يقول إن الخصومة حتى مع الموتى إنما تعكس حالة من الإعياء النفسي المزمن؛ غير أن واقع الحال يوحي بأن مثل هذا الرجل يسعى لأن يكون هو محدد اتجاهات الناس وقناعاتهم ورغباتهم. أو أنه بات علينا كيمنيين أن لا نُخالف قناعاته ورغباته، وإلا لماذا لم يتحدث عن ليبيا أو مصر أو لبنان أو المغرب!؟ ترى لماذا هذه الغطرسة تجاه اليمنيين فقط!؟
في إحدى مداخلاته العنترية طالب البراك بوقف المساعدات الكويتية عن اليمن، مع أنه لا توجد مساعدات في الأصل. وطالب بمعرفة حجم الديون التي عليها ومدى التزامها بتسديدها. ويواصل هذيانه بروح ذلك البدوي المتخم بالجهل والحميَّة الكاذبة، إلى المطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية لمجرد أن مجموعة من الناس لها وجهة نظر تخالف قناعاته.
وإني إذ أقدر أن الرجل يعيش أزمة نفسية سبَّبها له الرئيس العراقي السابق، فإن الواجب يقتضي تذكيره بأن اليمنيين لم يكونوا طرفاً في تلك المأساة، وأن من المعيب تصوير الكويتيين على أنهم مجموعة من المأزومين الثأريين الذين لا هم لهم إلا الانتقام من صدام وأتباعه أو أصدقائه حتى بعد أن ووري الثرى.
يستطيع البراك أو غيره من الذين نذروا أنفسهم لإيذاء اليمن والإساءة لها أن يحصلوا على عمل آخر قد يكون أكثر جدوى وفائدة؛ إذ ليس باستطاعتهم إزاحة اليمن من الجزء الجنوبي من الجزيرة، ولم يعد لديهم رصيد من الإساءات والبذاءات أكثر مما قد صدر عنهم. لكن مصيبتنا لا تكمن في هؤلاء الذين يرون في المال سبباً للتعالي والغطرسة، بل في حكامنا الذين يُساء إليهم ونحن معهم، فيما هم يقدمون التنازلات التي أغرت هؤلاء بالمزيد من التطاول على شعب جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، عهده بنفسه أن يأكل من كده وعرقه، لا يُذل ولا يقبل الإنحناء.
لا خلاف في أن احتلال الكويت قد ألحق ضرراً فادحاً بالوضع العربي بمستوياته السياسية والثقافية، وأن ما قدمته الكويت من تمويلات لمشاريع تعليمية في اليمن وغيرها لم يكن الهدف منها المنَّ على الناس أو إذلالهم, كما يعتقد هذا الباحث عن الزعامة على ظهورنا.
ليس منطقياً القول أن بناء جامعة أو مستشفى في بلد ما، يترتب عليه أن يتحول أبناء ذلك البلد إلى تابعين مجردين من كل انتماء.
malghobariMail