تسونامي يجتاج ملتقى الشعراء الشباب الثاني.. قصيدة عمودية ترتدي كرافتة وتحمل هاتفاً نقالاً..

تسونامي يجتاج ملتقى الشعراء الشباب الثاني.. قصيدة عمودية ترتدي كرافتة وتحمل هاتفاً نقالاً..

لنتفق بدايةً على أمر اعترافنا بإيجابية كل تلك النوايا الحسنة التي كانت وراء إقامة ملتقى الشعراء العرب الشباب حين إعلان صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004. نعترف بامتلاك الخطوة تقدمها وايجابيتها على سوء ما في البلد وتخلفه.
كما نقر أن التجربة كانت مجازفة في بيئة لا تتيح ابتكاراً أو اجتراح بارقة لها أن تشير باتجاه امكانية تحقق انقلاب إيجابي ولو ضئيل محتمل على السواد المسيطر بذهنية العداء للجديد والأجد. لنعترف بداية ونقر ونتفق على كل ذلك.
لكن ومع ان الفاصل عام فقط بين دورتي الملتقى، بين 2004 و2006، إلا أن انقلاباً واضحاً حدث كان بمثابة اعتذار صريح عن ما احدثه الملتقى في دورته الاولى على الرغم من كل علاته التي من المنطقي تجاوزها والقفز عليها، إذ والتجربة في مفتتحها، غادرت للتو مطرحها التأسيسي الأول.
أقول، لكن ومع أن الفاصل عام فقط إلا أنه قد ظهرت صعوبة أمر تحقق فعل إيجابي ما واستمراره في بيئة كلها فشل، لا يمكن لأمر ان يكون منفصلاً عن محيطه المتردي وبقوة يوماً إثر يوم.
 

 
 
جمال جبران
jimy
 
 
كان الملتقى في دورته جيداً إلى حد بعيد على الرغم من كل ما شابه من قصور، لكنها عقبة البدايات، وهذا طبيعي. أخذ بُعده العربي وصار دليل إدانة ضد عواصم المركز الثقافية: بيروت والقاهرة. حدث هذا عبر ملتقى لشعر الشباب الجديد وقصيدتهم المبتكرة. وحده الملتقى ووحدهم الشباب من استطاع دوناً عن فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004 أن يحقق ذاك البعد وذاك التواجد، حتى وعندما بحث وزير الثقافة خالد الرويشان في خزانته عن مايمكنه إعادة وزارته لدائرة الحدث ولفت الانتباه لم يجد غير ملتقى صنعاء للشعراء الشباب العرب، بعد ان كان قد نسيه عاماً كاملاً، فما الذي حدث؟
في العام الفائت 2005 تكالبت المصاعب على وزارة الثقافة ووزيرها إثر خلافه مع نبيل الفقيه وكيل وزارته لقطاع السياحة ما نتج عنه منع الاخير دخول مكتبه ومبنى الوزارة. تصرف افقد الرويشان «سياحية» بل وذهابها إلى الفقيه، حركة هي إمعان في معاقبة الرويشان على تصرفه، كما أظهرت أن الفقيه، ليس وحيداً وأن له جداراً قوي يستند عليه.
تلا ذلك نشوء أمر تنازع على ملكية مبنى الوزارة. للسياحة وثائق تثبت ملكيتها للمبنى. فعلى الثقافة إذاً أن تذهب لتبحث لها عن مبنى آخر.
اشكالية تم تأجيل الفصل فيها لحين انتهاء انتخابات شهر 9. من جهة ثانية للرويشان مصاعب اخرى مع فارس السقاف الراغب في انفراده بمعرض الكتاب. قضية فاحت تفاصيلها على صدر الصحف الحكومية وصحف المؤتمر على وجه التحديد.
جملة من الاشكاليات إذن تحيط بوزير الثقافة ولابد له من ما يخرجه منها.. وكان ملتقى صنعاء للشعراء الشباب العرب. لا بأس من تنظيم دورة ثانية، على الرغم من اهماله عاماً كاملاً بعد أن تم اقراره كفعالية سنوية، لكن للضرورات احكامها. وكان أن تم الاعداد له وعلى وجه السرعة.
مداخل عدة يمكن عبرها الولوج لفعل قراءة لما كان من اشكاليات في الدورة الثانية لملتقى صنعاء للشعراء الشباب العرب الذي أنهى فعالياته مؤخراً. مداخل يمكن إتيانها إن شئنا، من مفتتح الملتقى كما من خاتمته. الحقيبة السوداء التي تم توزيعها وما فيها على الشعراء الشباب او تلك النهاية الدراماتيكية التي أرغمت الوزير الرويشان اعتلاء منصة الالقاء محتجاً ومندداً بنص شعري لليمني الشاب اكرم عبدالفتاح. من هناك أو من هنا سواء فكلاهما تبدو صالحة وبجهوزية عالية كي تكون عتبة اولى لفعل قراءة لما كان.
 
حقيبة سوداء تخفي مقصاً وكتيباً ارشادياً
 
في دورة ملتقى صنعاء الأولى احتوت الحقيبة التي تم توزيعها على الشعراء المشاركين كتاب «الكتابة الجديدة -هوامش على المشهد الابداعي التسعيني في اليمن» لأحمد السلامي. عمل اعتبره اسكندر حبش «دليلاً على قراءتنا الشعر اليمني الجديد».
اختلف الحال هذه المرة، فللملتقى ما أنجزه، صار لديه ارشيف هو كتاب «عاصمة الشعر الجديد»، مجلد فاخر احتوى ما دوَّنه ضيوف الدورة الأولى من انطباعات علىصحف تمتد جغرافية صدورها من الخليج إلى المحيط.
ظهر الكتاب الذي قام بتحريره علي المقري وسعيد الشدادي، كبرقية تنويه مهذبة لضيوف الملتقى في دورته الثانية الذين يشاركون فيه للمرة الأولى على وجه التحديد: هذا ما كان من مشاركي الدورة الأولى من اعتراف بجميل الملتقى عليهم. كما واشارة تلويح: من يفعلها منكم ثانية سيضمن بقاء دعوته لدورة ثانية، (نوه الكاتب محمود قرني في اسبوعية اخبار الادب القاهرية عدد 30/4/2006 إلى أن اختيار الغالبية الغالبة من الشعراء المشاركين كان من اولئك العاملين في الصحافة). تبدو المسألة كما لو أمر ضمان دعاية ترويجية هائلة بكلفة زهيدة لا تتعدى تذكرة سفر و200 دولار كمصروف جيب. أمر يتجاوز شغل وزارة ثقافة واصلاً اختصاص وزارة سياحة. لم تكن اللعبة واضحة تماماً عندما كانت الوزارتان بداخل محفظة وزير واحد، لكن بعد ان مسهما الفصل اختلف الأمر ليبدو الشعر الدعائي واضحاً بجلاء.
وعودة أيضاً لكتاب «عاصمة الشعر الجديد»، ومسألة القص التي طالت مقالات عدة فيه، ماكتبه اسكندر حبش ولقمان الديركي تحديداً، عملية حجب وطمس طالت فقرات طويلة مما كتباه. برقية تنويه اخرى فحواها تعاليم إرشادية حول ما ينبغي الكتابة عنه وما لا ينبغي، المساحة التي يمكن التحرك على جغرافيتها، وأخرى لا يجوز السير عليها. هي عملية قص ارتكبتها اصابع رقيب، قد تبدو المسألة مفهومة ويمكن استيعابها في حال تطابق تلك الاصابع مع ما يمتلكه سعيد الشدادي، اصابع تملك امكانية تحرك من الشعر للقصة والمسرح إلىأمر تنظيم كل شيء في أركان وزوايا المركز الثقافي كما والقدرة على اضحاك وزير الثقافة عبر إتقانه دور مهرج بلاط السلطان. لكن كيف يمكن استيعاب امر تطابق تلك الاصابع مع ما يمتلكه صاحب «الثلاثون التي في البطاقة ليست...»، يصعب أمر تخيل الشاعر علي المقري على هيئة مقص.
 
كائنات شعرية مصابة
بانفلونزا طيور يتوجب عزلها
 
في الملتقى الثاني تكرر أمر عزل المشاركين من الشعراء الشباب العرب عن مقار اقامة نظرائهم اليمنيين. مسألة لاقت استياءً في الدورة الاولى وإذا بها تتكرر ثانية. هكذا بدت ساحة المركز الثقافي مكاناً وحيداً وفي نطاق زمني لا يتجاوز الساعتين كنقطة تواصل بين شعراء الملتقى من الجانبين.
وبما أن مساحة القراءات الزمنية لكل شاعر كانت محدودة جداً بحيث يبدو مستحيلاً التعرف على خصوصية نص كل شاعر عبر ما اتيح له من زمن، وعليه ظهرت اهداف الملتقى منتفية لعدم تحقق المراد منها. لا يمكن اعتبار مسألة التقاط الصور التذكارية على منصة الالقاء وعلى كراسي قاعة الزبيري بالمركز الثقافي هي الغاية والرجاء والمنتهى إذ ستبدو قاتمة تماماً كما وكاذبة، شاهدة زور على أن الملتقى كان لقاء وتقاطعاً لتجارب شعراء شباب يرغبون تماساً مع اقرانهم. لا يمكن تفسير ذاك العزل الذي تم خارج حدود الأمني، بداية من موقع المركز الثقافي المدجج داخله وحواليه بعناصر ممتلكة لانوف مدربة تجيد الشم بدرجة عالية مروراً بمقر اقامة الشعراء العرب الذي كان تحت الملاحظة المستمرة. من عيون ساهرة على تدوين ورصد هوية بعض من العناصر المارقة من الشعراء المحليين الشباب ممن كسروا جدار العزلة المضروب بينهم وبين نظرائهم. ونتيجة لهذا الاختراق بدت ساحة الفندق الذي نزل فيه الشعراء العرب منطقة محتلة من قبل شعراء قرأوا عليها قصائدهم في سهرات كانت تمتد حتى مطلع فجر كل يوم من ايام الملتقى. تفوق الشعري على الأمني كان هنا واضحاً بجلاء.
 
داحس والغبراء بين جديد الشعر والمتحفي منه
 
الحصار إياه والذي كان مفروضاً على شعراء الملتقى عن طريق الفصل بينهم وتقليص احتمالات تقاطعهم امتد واصلاً حدود نوعية وشكل الشعر الذي تم تقديمه. لم تكن المسألة أمر اشكاليات تقليدية بين الانواع الشعرية، المسألة التي نزف النقاش حولها حبراً كثيراً. بدا الأمر تحيزاً رسمياً واضحاً ناحية قصيدة العمود وشقيقاتها من عيار قفا نبك وإن الذي بيني وبين بني أبي..... لمختلف جداً..
بدا الانحياز واضحاً منذ البداية عبر اقصاء نبيل سبيع واحمد السلامي ومحمد الشيباني من اللجنة التحضيرية للملتقى الثاني، ومروراً عبر الاستبعاد من برامج الالقاء والذي طال إياد الحاج وعبدالحكيم الفقيه وصلاح الدكاك وفتحي أبو النصر وغيرهم وليس انتهاءاً بالبيان الختامي الذي تم إعداده مسبقاً وبطريقة سرية ليظهر محتفياً بجملة قضايا يتخذ أصحاب القصيدة الجديدة، موقفاً واضحاً وهم الذين لا يعترفون بأية وصاية أبوية عليا أو موجهات مسبقة إذ يمتلكون فضاءهم الخاص غير المحدد.
وأيضاً كان ذلك الاقصاء واضحاً عبر إغراق القصيدة الجديدة ذات الخصوصية في بحر عمومية قصيدة عمودية خرجت من متحف الشعر مرتديه كرافتة وتحمل هاتفاً نقالاً.
بدا واضحاً أمر احضارها عنوة وبكثافة وبكميات تجارية كيما تعمل دوراً تشويشاً على سواها.
واضافة أيضاً، قصيدة كهذه يمكن ضمان أمرها بحكم تبعيتها ورتابتها وتقيدها بأوزان ومقتضيات المقام عكس الاخرى واصحابها.
الاخرى مشاغبة، قليلة أدب، لا تعترف بأبوية ولا تندرج تحت جماعة أو تصنيف، كما وأصحابها.
من السهولة بمكان أمر ادراك أن اصحاب القصيدة الجديدة قد خلقوا حالة ما،اربكت السائد الرتيب ليس في المحيط الشعري فحسب، ولكن في الجانب الكتابي برمته، الصحافي مثالاً.
يمكن الاشارة هنا للكتابة النقدية غير المألوفة لنبيلة الزبير ونبيل سبيع وعمار النجار، بتقدمها وبقدرتها على لفت الانتباه وتسجيل حالة غير مسبوقة قبلاً. على هذا كان يمكن لوزير الثقافة امر استدراك كل تلك الجلبة والغبار الذي أثاره موقفه من قصيدة اكرم عبدالفتاح. كان بمقدوره امتلاك السكينة وفرض حالة هدوء على الكرسي الذي كان يجلس عليه مبتسماً كعادته. كان يمكنه اعتبار الحالة متماشية مع ما هو سائد وامتلك شرعيته عبر انجازه الكتابي.
 
إضافة
 
كان من الممكن لملتقى صنعاء الثاني للشعراء الشباب العرب ان يظهر بحالة افضل مما ظهر عليها، كان من الممكن أن ينتصر للجديد الذي تأسس من أجله في دورته الأولى. كان من الممكن وكان.. لكن هي طبيعة البلد التي لم تألف ابتكاراً أو تقديم منجز حقيقي له أمر البقاء وأسباب استمراره. أكتب هذا منحازاً لشيء ما كان في الايدي أمر الحفاظ عليه... ولكن هذا ما كان..