التعريفات: دوغما

التعريفات: دوغما

تعني الكلمة في الأصل اليوناني، الذي لا يزال سارياً في بنية اللغات الأوروبية: الرأي، الحل. وهو مصطلح كان سائداً في الفلسفة اليونانية -القديمة، وفي القانون الروماني. ثم اقتبسه الكُتّاب المسيحيون، وظل محتفظاً بمعناه الأول، وأصبح يطلق على القوانين والأوامر العسكرية، وقد استخدمه المؤرخ اليوناني القديم إكسينوفونت (القرن 4 ق. م) بهذه الدلالة. أما شيشرون (القرن الأول ق. م) فاستخدمه في المجالين الفلسفي والسياسي، وقد تابعه في ذلك أوريجينسوس (القرن الثالث الميلادي) ليصف مذهب سقراط، وأفلاطون والرواقيين. وأما في كتب «الكتاب المقدس» فإنه يعني: الأمر الملكي، والقوانين الملزمة، بالنسبة لكل الرعايا. وهذه الدلالة شديدة الوضوح في كتب التوراة. أما في «العهد الجديد» أي الإنجيل، فقد ظهرت معان جديدة لهذه المصطلح. ففي إنجيل لوقا مثلاً، يعني: أمر قيصر تسجيل السكان. وأما في رسائل بولس، فقد أصبح يعني: التعريفات الكنسية، التي لا تُرد، وهي المرجع؛ فالكنيسة المسيحية إذاً هي بحق كنيسة بولس، وليست كنيسة المسيح. وفي عهد آباء الكنيسة (من القرن الثاني إلى الخامس) أصبحت الدوغما تطلق على:
1 - الحقيقة الإلهية الماثلة في الوحي، وهي تقابل، أي: تناقض وتعارض، رأي الفرد وظنونه وافتراضاته.
2 - الحقيقة النظرية، في مجال اللاهوت، مقابل القواعد العملية في حياة المسيحيين.
3 - المعاني الدقيقة الصارمة في المجال العقيدي، الذي يواجه التفسيرات الزائفة لها.
4 - الحقيقة المسلَّم بها، أي دون برهان، التي تُدخل صاحبها عضواً كامل الأهلية، في الكنيسة.
ويميز اللاهوتيون بين الدوغما، والكيرغيما، أي المواعظ والإعلانات التي تصدرها الكنيسة؛ ذلك لأن مضمون الدوغما حق خالد لا يلحق به التغيير، وتصبح الدوغمات تعبيراً عن هذه الحقيقة الخالدة. أما الكيرغيما، فإنها الصيغ اللغوية التي يلحق بها التغيير، التي تتكيف والشروط الجديدة والأحوال المتغيرة، وكان لها في البداية مجال تداول محصور في الوسط الكنسي، وقد أصبح هذا المجال فيما بعد منطقة نفوذ الدوغما. وأصبحت الدوغما في اللاهوت البروتستانتي تعني ماهية العقيدة المسيحية، التي تحررت من الطابع الأسطوري ومن ركام الخيال والخرافات، كما في مؤلفات رودولف بولتمان (1884-1976). وأما الدلالة اللغوية المعاصرة، فإنها تعني: كل قول لا يقوم على البرهان، ويُسلَّم به وفقاً للعقيدة، أو التسليم بأية مرجعية، دون أي موقف نقدي.
ويذكرنا هذا بمبدأ التقليد في الاثني عشرية، وهو ملزم للمقلدين بعد فتوى يصدرها مرجع التقليد. كما أن تديين السياسة في الإسلام السني، والفتاوى التي تُستخدم ذرائع سياسية كل يوم، تجعل من الفتوى في الإسلام الشيعي والسني دوغما جديدة - قديمة، تُذكِّر بدور الكنيسة في الغرب المسيحي قبل الإصلاح الديني.

أبوبكر السقاف