في إصلاح مسار «الوحدة» - الصداقة سابقاً

في إصلاح مسار «الوحدة» - الصداقة سابقاً - سامي غالب

لو كانت في حال أفضل لاقترحت على السلطة المحلية في عدن أن تحمل اسم: الاخوَّة اليمنية -الصومالية. لكن هذه التعسة تحمل منذ 1994 اسم: مستشفى الوحدة، فحري بها أن تكون الحجة البالغة في خطاب تيار إصلاح مسار الوحدة.
لم يكن حالها كذلك قبل الوحدة، وقبل الحرب (أي قبل أن تحمل اسم الوحدة بالحرب). والآن فإن مستشفى الصداقة سابقاً -الوحدة حالياً- مثقلة بالأزمات والاختناقات والإحباطات. إنها الإدارة على الأغلب، وهذه لديها حساسية فائقة حيال كاميرا التصوير خلاف أشياء أخرى تنعم بحسن الضيافة. للتمثيل، فإن قسم الأطفال حيث ينزل هاشم عبدي، يزخر بضيوف من شتى الكائنات. فإلى الذباب والبعوض والحشرات الزاحفة والطائرة، تلفحك روائح غريبة بسبب الأعطال في المجاري والانقطاع في المياه، فتأخذك الحيرة: أهذه إذاً «الوحدة»؟

يتردد هاشم عبدي، 4سنوات، على المستشفى منذ عامين، تصطحبه أمه «حواء» القادمة قبل 5 سنوات من بيداوا. وهو يعاني من نوبات سعال، ويطرش باستمرار، وأحياناً يطرش دماً.
يعيش هاشم رفقة أمه في البلوك 34 في مخيم خرز. وساعة زارتهما «النداء» في مستشفى الصداقة سابقاً، كانا يلوكان الوقت. وكانت حواء، المحكومة بانتظارات متعاقبة، لا تزال تتعجل، دون طائل، إخضاع إبنها لفحص BRON CHOSCOPY، أي: منظار الجهاز التنفسي الخاص بالأطفال.
مستشفى الصداقة التي أمست بعد ولادتها الثانية (الجديدة) وحدوية، تُعد الوحيدة في عدن المخصصة لطبابة الأطفال. هذه فرضية لا تجد في الواقع ما يعززها، فعلاوة على البراءة المفقودة، بدلالة منع التصوير من قبل المدير، فإنها تخلو من المنظار الخاص بالأطفال، الذي تريد «حواء» إخضاع هاشم لاختباره.
مسكينة «حواء» إبنة «الهوية» القبيلة النافذة في الصومال، إذ أن عليها أن تدفع ثمن انهيار الطبقات في تجمعات الصومال في عدن وصنعاء وخرز وتعز، وصار لزاماً عليها أن تتحين الفرصة الطائرة والمال الشحيح لتنتقل بابنها، من أجل الفحص المطلوب من أطباء المستشفى، إلى العاصمة (لزوم المركزية، ومقتضى نظام الطبقات المطروح جغرافياً على خارطة اليمن!).
سبق لحواء أن اصطحبت ابنها إلى صنعاء قبل عام. «وديناه صنعاء، لكن منظار ما في»، قالت المتذمرة لـ«النداء». «كلمت ال UN (أي المفوضية) ما صدقوني»، أضافت «اللازمة» التي لا يكل اللاجئون الصومال من تردادها.
بالنسبة لوالدة متذمرة من المسار المعوج لـ«الوحدة» وعدم جهوزية الـ«UN» فإن الشك يبيت رفيقها المحبَّب.
«ترددت، عندما طلعت صنعاء العام الماضي، أياماً على مستشفى «السبعين» و«الثورة» لاجراء فحص المنظار على هاشم، ولكن دون جدوى»، تبرمت حواء. والثابت أن عدة مواعيد ضربت لها بعد «صعودها إلى العاصمة»، ولأسباب محض اعتيادية كانت هذه المواعيد مضروبة حقاً.
البَرِمة المتشككة أخرجت من حقيبتها، الملأى بالأدوية والروشتات، ما تزعم أنه تقرير ملفق قالت إنها تسلمته في صنعاء، ويحتوي على تأكيدات من المختصين في العاصمة بأن هاشم قد أخضع للفحص المطلوب وتبين أنه لا يعاني من أي مشكلة.
لم تكن محقة، إذ أن أمل عبدربه ناصر، الطبيبة الاختصاصية في القسم، أكدت لي بأن التقرير المزعوم ليس إلا مذكرة اعتيادية من القسم المختص في العاصمة يضرب لحواء موعداً جديداً لفحص إبنها.
بالتقرير المفبرك، الذي تقول الطبيبة إنه موعد جديد فحسب، عادت حواء بـ«هاشم» إلى عدن غاضبة جراء ما اعتبرته «خدعة مركزية». عادت حائرة إزاء برود «الأمم المتحدة» التي لا تحرك ساكناً تجاه التقارير المفبركة (!): «كلمتهم ما صدقوني».
يتعاطى هاشم حزمة من الأصناف الدوائية، فضلاً على دواء السل. نموه الآن طبيعي حسبما تؤكد الطبيبة أمل، بيد أنه «لا يكف عن الطرش»، ولذلك «نشك بوجود عيب خلقي»، قالت طبيبة الاطفال. وأردفت: «حالته خطيرة ويحتاج إلى تحرك عاجل».
خارج البلوك 34 -خرز، لا مكان آخر تأوي إليه حواء وأبناؤها الخمسة. وهي مدعوة إلى زيارة العاصمة السياسية مجدداً للغرض نفسه: إخضاع هاشم لفحص المنظار غير المتوفر في مستشفى الاطفال التخصصي الوحيد في العاصمة الاقتصادية. وإذ ترحَّمت على أيام منظمة «ترينجل» التي كانت تخدم اللاجئين في اليمن إلى ما قبل عام، «وكانوا يجيبوا لنا كيلو دانو (حليب) وطبق بيض»، واصلت تذمرها حيال تقاعس الجهات المعنية عن إنقاذ ابنها الذي يعاني من داء لم يتعين كنهه بعد، مؤكدة أنها تعجز حالياً عن بلوغ العاصمة في الآونة القريبة، ولذلك فإنها ستغادر «الوحدة» المعوَّجة باتجاه خرز، لأنه «ما فيش مكان ثاني»، ولأن «أدرا (وريثة ترينجل) ما في».
«أدرا في» ولكن..
إلى المفوضية والحكومة اليمنية، هنالك عديد منظمات وأطراف متصلة بأوضاع اللاجئين. وفي عدن ولحج تنشط «رادا بارنين» (المنظمة السويدية لرعاية الأطفال)، وأدرا، وجمعية الاصلاح الخيرية.
تتولى المنظمة السويدية مسؤولية التعليم الأساسي. وتختص أدرا بالخدمة الاجتماعية. فيما تقوم جمعية الإصلاح بتوزيع المساعدات، وتقديم خدمات صحية في «البساتين».
لدى رادا بارنين برنامج تدخل مبكر للمعاقين. وطبق إحصاءات المنظمة في خرز فإن الأطفال المعاقين للفئة العمرية (5-17 سنة) يقدرون ب64 طفلاً من أصل 3184. ومن ضمن أنشطة المنظمة يوجد مشروع لذوي الاحتياجات الخاصة في مخيم خرز.
وطبق مسؤولي مكتب عدن فإن العاملين في المشروع هم من النساء «ليسهل على أقارب المستفيدين استقبالهم في البيوت».
على الجملة فإن أوضاع الطفولة في عدن ولحج وغيرهما من مناطق تجمع اللاجئين، تزداد تعقيداً على الرغم من أن حالات الطلاق تبلغ عشرة أضعاف حالات الزواج، طبق المأذون الشرعي عبدالله محمد طاهر (نُشرت إحصاءاته قبل 3 أسابيع).
معدل الخصوبة ما يزال عالياً جداً، والفقر متفش، وموارد المفوضية الدولية محدودة، ونسبة التسرب من التعليم الأساسي عالية نسبياً حسب عائشة سعيد مديرة رادا بارنين، والخدمات الصحية المجانية لا تصل إلى غالبية اللاجئين في التجمعات الحضرية خارج خرز.
والحال أن الجماعة الصومالية المقتلعة تسودها مشاعر عدم رضا تجاه أغلب هذه المنظمات الانسانية، وغالباً ما تتطور حالة عدم الرضا هذه إلى شك ونقمة. وفي المقابل لن تفوتك في عدن فرصة سماع دعاة (أدعياء) حقوق انسان يبطنون مشاعر استعلائية حيال «لاجئي القرن» الافريقي. وقد اضطررت مراراً إلى لعب دور «محامي اللاجئين» في مواجهة «دعاة/ أدعياء» لا يتورعون عن إطلاق «قذائف صوتية» من شاكلة: «لا تصدقهم»؛ «لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم»؛ «حذارِ! كثيرات يلفقن قصص الاعتداء عليهن».
على الضفة المقابلة وجدتني أقوم بدور المبعوث الدولي ينصت بصبر إلى شكاوى سكان لا تصلهم خدمات المنظمات المعنية.
صارفاً الصحفي الذي كنتُه، رحت انحني لسلطان البوح الذي يتملك أرواحاً هائمة للاجئين عبروا البحر باتجاه الشمال. وأظنني استكنهت المعنى المزدوج لمأساة اللاجئ الصومالي في اليمن: الضحية التي لا يطالبها أحد بسرد قصتها!
 
Hide Mail