في الطريق إلى «خيَّلت براقاً لمع».. قصقصة النشيد الوطني

في الطريق إلى «خيَّلت براقاً لمع».. قصقصة النشيد الوطني - مصطفى راجح

رعشة أسى أكثر برودة من صقيع هولندا، أحس بها الدكتور راغب القرشي، وهو يقرأ خبراً عن اختصار النشيد الوطني في مشروع صغير أقره البرلمان الاسبوع الماضي.
راغب متعلق بنشيد الوحدة حد العشق، واختياره رنة مفضلة لهاتفه المحمول، «وطنية استثنائية» في مناخ أفقد فيه سوء الحال وتوالي الخيبات كثيراً من اليمنيين إحساسهم بالارتباط بوطن يتسرب من بين أصابعهم، لم يعد لهم؛ حيث يرون فرصهم تقل، في مشهد عام لا يقوم علىالمساواة والكفاءة، بل على القرابة والولاء. تدوير النخبة، يدفع بالأبناء والأقارب لتحديث التركيبة الحاكمة في متوالية تسلسلية، يأخذ فيها كل مستوى من تراتبية السلطة «حقه» في البسط على المواقع والوظائف، من قمة السلطة إلى مقاعد البرلمان، والمحافظات والوزارات، وصولاً إلى «عدول» القرى وعقَّال الحارات.
لقد ضاقوا بكل شيء، حتى بالنشيد الوطني، آخر شيء يمكن أن يذكِّرهم بأحلام مشتركة، ووطنية ال22 مايو الأكثر رحابة من أهازيج النصر القبلي. إختصار النشيد الوطني هنا، ربما يكون مقدمة لاستبداله مستقبلاً، بـ«خيلت براقاً لمع» باعتباره عنواناً مناسباً لواقع الحال.
هذا الأخير سخّرت له الامكانيات، وفُتحت له منابر الاعلام، وعُزف بأكثر من صيغة ومستوى، وارتبط به وجدان التركيبة الحاكمة، وكأنه نشيد المرحلة. بينما النشيد الوطني ثقيل، ويفتقر لإمكانيات تعميمه وترديده في المدارس والمؤتمرات والفعاليات العامة.
في لحظة ترف سمجة! قرروا اختصار النشيد الوطني.
فَرْغَة!.. أكملوا كل مهامهم، ولم يعد في البلد ما يهتمون بتدبيج مشاريع القوانين لمجابهته، لا انتشار السلاح ومشروع قانونه المرمي في الادارج، ولا إصلاح القضاء وتأهيله، ولا دراسة حالة البلد التي أخفقت في اجتذاب استثمارات أكثر من مطلوبة لخلق فرص العمل وإنعاش الاقتصاد. هذه كانت سترسخ إحساس الناس بالمواطنة، وارتباطهم باليمن، أكثر من الشعور الذي يخلقه النشيد الوطني، وبعدها يعملون لنا حتى مقدمة مسلسل «ريمي» حق الاطفال كنشيد وطني، وبايكون أحسن نشيد.
أما ومثل هذا المناخ لم يتخلق بعد، فعلى الأقل نتمسك بأحلامنا الوطنية. ولا يوجد نشيد جسدها كلمات ولحناً ونبرة صوت، بمستوى النشيد الوطني ل22 مايو.
لكنهم ضاقوا بـ«رددي أيتها الدنيا نشيدي».
«رنة الصوت، هذه الرعشة الغريبة التي يجعلها تسري في طول ظهرك، النشيد الوطني. حتى لو سمعه المرء عشرة آلاف مرة لا بد أن يقشعر بدنه. إهتزاز الدم هذا، وهذا الإرتعاش، سوف يبقى، بعد كل أوهامنا المطحونة». أجل ثمة ما هو أكثر صلابة، وأكثر دواماً من التركيبة الحاكمة في مرحلة ما، وسلطتها، ونخبها. إنه هذا الوشم من كلمات أغنية أو نشيد وطني، حيث لا تنفك تنبض النضالات المنسية. ملهم الاحلام هذا النشيد،، وعنوان حلم جماعي، الشيء الأكثر صلابة وقدرة، على الأقل كعنوان يذكرنا بما اتفقنا عليه. وما اتفقنا عليه: ثورة ووحدة، يحيلان إلى مستقبل يحمل التعايش والتطلع من أرضيته إلى اندماج وتلاحم مجتمعي لوطن اسمه: اليمن، وجد اليمنيون أنفسهم يحملونه موحداً في وعيهم وذاكرتهم، قبل توحده في ال22 من مايو.
المشروع الذي أُقرَّ في البرلمان الاسبوع الماضي يتعكز على طول النشيد لتسويق قصقصته، واختصاره. هو صعب على الحفظ، ويحرج وفود «البدلات» بالعملة الصعبة. لا مجال لدقيقتين وبضعة أسطر.
حبذا لو اختصرتموه، فقد أصبح مرهقاً!
طبعاً كان بالإمكان إعداد صيغة موسيقية مختصرة يُعزف فيها النشيد أثناء الاستقبالات الرسمية، بينما يبقى في المدارس والمجالات العامة مكتملاً. لأن اختصار أبيات النشيد يخل بالمعنى النفسي والوجداني المراد إيصاله إلى الاطفال والطلاب والشباب. هو نص مكتمل، الكلمات فيه هي الأهم، والنوتة الموسيقية جزء منه، غير أنها يمكن أن تُختصر دون أن تفقده معناه.
الجامعة التي تتربع على نظام تعليمي يمتد من الابتدائية إلى بوابتها، يتأسس على الحفظ. وخرجوا علينا بفزورة طول النشيد وصعوبته.
قبل أشهر استطاع يحيى محمد عبدالله صالح اجتذاب نظرة احترام واسعة النطاق، بتبنيه لمقترح إعادة «أممياً» المصادَرة إلى مكانها في النشيد الوطني. غير أن هذا المقترح على رصانته ونجاعته، يتبدى الآن وكأنه مجرد تمهيد لقصقصة نصف نشيد استعصى على الهضم بعد ستة عشر عاماً من اليوم الوطني لليمن 22 مايو.