اليمن في مجرى طغيان العولمة.. الذوبان أم المقاومة؟ وماذا عن الاصطفاف الوطني!؟

اليمن في مجرى طغيان العولمة.. الذوبان أم المقاومة؟ وماذا عن الاصطفاف الوطني!؟ - محمد سعيد سالم

مشكلتنا في اليمن، مع توجهات العصر وتيار العولمة الطاغي، أننا نتصرف مثل «المنافقين» الذين عاشوا زمن رسالة خير الخلق أجمعين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، رسالة الاسلام، وقد استعصى عليهم (المنافقين) حينها أن يظلوا على ملة الكفر، وسط سطوة ونفوذ الدين الجديد، الذي بدأ الناس يدخلونه افواجاً؛ فلبسوا ثياب النفاق، ونهجوا في الظاهر ما يريده الاسلام، وفي الباطن ما يريدونه لأنفسهم.
هنا، أعترف أن هناك فارقاً كبيراً في صورة «النفاق» وأهله بين ما حدث في ذلك الزمن، وبين ما يحدث اليوم في زمن العولمة، لكن القاسم المشترك بين الصورتين، هو حالة الطغيان الجارف بين معتقدات أنزلها المولى عز وجل للناس، وكلف بها من يبلغ رسالتها للعالمين، والطغيان الجارف في توجهات العولمة التي يُراد لها أن تكون «رسالة عالمية» يعمل بها أهل الدنيا في هذا الزمان، دون اعتراض.
العولمة وحزب الله
لا أريد الحديث، هنا، عن رسالة الاسلام التي جاءت من رب السموات والأرض، ورسالة العولمة التي تكشف الأيام حقيقة ما يحدث من ضغوط كثيفة وعنيفة على العالم العربي والاسلامي، منذ وجود الكيان الصهيوني في المنطقة، وتصاعد دوره في تحقيق أهداف وتوجهات رسالة العولمة، التي جعلت الإسلام وأهله الخصم الرئيس المطلوب إزاحته لتحقيق تلك الأهداف، أو على الأقل، إدماجه فيها!! وضمان ذلك، يجعل المنطقة كيانات ضعيفة ومقطعة!!
لست في حاجة إلى هذا الحديث، هنا، لأن الأهداف من توجهات العولمة باتت معروفة، وقد كشف مشروع «الشرق الأوسط الجديد» كثيراً من هذه الأهداف، ولعل مقاومة «حزب الله» وأبطاله للعدوان الصهيوني ومشروعه المدعوم من صاحب مشروع العولمة (الولايات المتحدة الأمريكية)، يضفي الكثير من الحقائق على ما يحمله طغيان العولمة من أخطار على شعوب العالم العربي والاسلامي، ولا أبالغ لو قلت أيضاً شعوب الكثير من ذول العالم، بما فيها شعوب الدول الغربية، التي خرج كثير منها إلى الشارع للتنديد بمؤسسات العولمة وتوجهاتها، كما أن ما يحدث في لبنان صورة معبرة عن «توحش» أهداف العولمة.
مقومات اليمن في ظل العولمة
حديثي هنا، أريده لوضعنا في اليمن تجاه طغيان العولمة وقوانينها وأهدافها على مسيرة الحياة في بلادنا في الوقت الراهن والمستقبل. فبلادنا، وفقاً لمعايير التطور السياسي والاقتصادي والثقافي السائدة في عالم اليوم (المادي)، بلد متخلف، فقير، يبحث عن الكفاءة والحرية، ومعادلات التداول السلمي للسلطة. أما التعددية السياسية والحزبية مجرد حالة تائهة رغم المحاولات الجارية لتجنب المضامين التي أنتجتها المرحلة الشمولية، ويحكم الفساد كثيراً من مفاصله، وفي مختلف السلطات المعترف لها بالعمل: السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، وحتى السلطة الرابعة (الصحافة) المعنية بالرقابة الشعبية والمهنية على حركة التطور في المجتمع، تعاني من الفساد. ولم تسلم المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني من ذات المرض!!
وتعاني الشفافية والانتخابات من الضبابية ومن عاهات إدارية وثانوية.
ووفقاً لهذا التصنيف والتوصيف، لن يكون بمقدور اليمن أن تستقل بخياراتها في الموقف من طغيان العولمة وتوجهاتها، ولن تكون قادرة بكل مكوناتها المادية والبشرية، وتراثها الحضاري والديني والتأريخي، أن تعترض على ضغوط العولمة، وتمنعها من (مسخ) هويتها ومكونها الثقافي والانساني، لأنها أضعف من أن تقدر على ذلك..
الأجندة الحقيقية للعولمة
ولهذا قَبِل الجميع أن نكون جزءاً من توجهات العولمة (المادية الصرفة). ونتصرف نحن -سلطة وأحزاباًو منظمات ومؤسسات- على طريقة (المنافقين)، الذين يدركون خطر توجهات العولمة على اليمن، في ظل ضعفها المشار إليه، ولكنهم مستمرون في العمل بها، ويتسابقون على (ترضية) قادتها وأدواتها، عن غفلة من خصوصية هذا الوطن، ونشأته، والتكوين الاجتماعي والثقافي والمعرفي لأهله عبر التاريخ!!
عملية تطبيق المشروع الديمقراطي، ومكونات الفكرة المدنية المطروحة في عالم اليوم ومبادئ الحرية التي يتحدث عنها السيد بوش عبر الأدوات الاعلامية العملاقة للعولمة، والتي يدعمها بخيارات الترسانة العسكرية العملاقة لضرب الرافضين لها، قد تبدو لنا -جميعاً- في اليمن، عملية يستعصي رفضها أو الالتفاف عليها، بسبب حالتنا المتأخرة وإرادتنا الضعيفة. لكني أقول -كمواطن وكإنسان- إن الجميع يعلم -كل العلم- أنها عملية تقوم على إلغاء الكل في هذا العالم لمصلحة «الأجندة الخفية» لأصحاب نظام العولمة، ولهذا لا يكون معها النفاق هو الحل القاطع المانع!!
الاصطفاف الوطني
للحفاظ على مسيرة اليمن وتطورها وهويتها، حتى في ظل طغيان العولمة وأهدافها، لا ينفع إلا الاصطفاف الوطني، ولكن بشروط الشعب والتاريخ، وليس بنفاق السلطة والمعارضة!!
والاصطفاف الوطني، هنا، لا ينبغي أن يقوم ضمن شروط وقواعد طرف سياسي أو قبلي أو مذهبي معين، يجب ألا يكون حاجة معبرة عن إرادة جهة واحدة في الوطن، وبشروطها، فذلك من شأنه أن يكون سبباً في سقوط المقاومة والحصانة في أي وقت، لأنه سيفتقد الاجماع الذي هو أهم شرط في أي عملية للإصطفاف الوطني، وفي قوته. ويمكن أن ينطلق الاصطفاف الوطني بمبادرة من الطرف الأقوى، وهو الحزب الحاكم.
الاصطفاف الوطني والاجماع
لذا يكون أكبر خطر على نوعية الاصطفاف الوطني وقوته واستمراره بعد ذلك، هو عدم الاجماع على صيغة له ولقواعده ولمستقبله، في ظل طغيان توجهات العولمة المادية وأخطارها على مستقبل الشعوب والأوطان.. لا بد أن تبدأ فكرة الاصطفاف الوطني من قبول الجميع بمبدأ الإجماع، وأن ثوابت هذا الاصطفاف هي: اليمن العربي المسلم، الذي هو أصل العرب، وقد حمل أبناؤه عبر التاريخ رسائل الفتوحات الحضارية والانسانية.. ومن حقنا تجديد هذا التاريخ بأدوات معاصرة..
يمكن التكيف مع تيار العولمة، وليس تحديه، لأني لا أدعو إلى ذلك !! وإلا تبقى العملية انتحارية في ظل وطن أعزل من الكفاءة والقدرة على المنافسة في عصر اليوم.
إني أدعو إلى (وحدة اليمن) وسط تيار عصر العولمة، ولكن عن طريق التنفس بأوكسجين الانتماء للقيم والتراث والدين.
نحن نستطيع أن نكون ديمقراطيين، وأن نمارس الانتخابات وأن تواصل الأحزاب السياسية دورها، وتعمل على تنميته وتطويره، وأن تأخذ المرأة كامل حقوقها في المجتمع، وأن نضع تشريعات وتوجهات صارمة لمحاربة الفساد وردع المفسدين، وأن نعتمد اقتصاد السوق الحر، وأن نجعل السلطات الثلاث، مع سلطة الصحافة، دعائم الدولة الحديثة تحت مظلة «النظام العالمي الجديد»، وأن نفعل اشياء أكثر من ذلك، وأن نتجنب آثار النفاق في نفس الوقت!! وأخطار العولمة على وطننا وأبنائنا!