وأخرى.. حياة في ال inbox

وأخرى.. حياة في ال inbox

مؤلم هو انتظار الأبد. انتظار عودة الفتاة التي التقطت لك صورة عن طريق صدفة بحتة، انتظار عودتها ثانية، وعلى هذا تبقى روحك معلقة و موصولة برجاء الذي لا يتحقق أبداً. ولذا، تقول كانت اقامتك في الinbox وقررت الذهاب في هذا بشكل لا يقبل مراجعة أو إعادة تفكير.
وأعرف أنك تكذب هنا، كما ومفضوح تماماً كدخان السيجارة الرديئة، المحشورة دائماً بين اصبعين على كفك اليسرى وتعصرهما بيأس عانس أبداً لم تمس شفاهها طراوة ولم تقع في الرعشة أبداً. بيأس عانس تعانق وعلى طول ليال باردة وحكايات نهاياتها مبتورة دائماً. بيأس عانس تخاف مشيها وحيدة تحت المطر كي لا تروح الأصابع في لغوها. ذاتها الأصابع التي بلا عقل وتغرق من وقت لآخر، في البياض.
أعرف، كما تعرف أنت جيداً، أنك تكذب هنا وترتدي ما لا يليق بوقائع حضورك جنازة حقيقية وجادة وكل هدفك ان تبكي فقط. أن تبكي كل شيء وعلى رأس القائمة بكاؤك على تلك المزحة التي رحت فيها لاعباً وأوردتك حتفك لتنتهي في inbox، في مجرد inbox وصرت تغني بمفردك داخله، تغني ألحاناً سوداء ناعياً كل الأشياء التي مضت متسربة من بين اصابعك، أو التي تركتها أنت تفعل ذلك ولم تحرك حينها ساكناً، ولم تصدر عنك أنَّه أو حتى مقاومة بسيطة قد لا تفعل شيئاً ولا تغير مسار ما كان حاصلاً، ولكنها على الأقل ستثير بأنك كنت حينها ما تزال على قيد الحياة.
أعرف أنك تكذب. وكما قلت لك بقدرتك على قلب حقيقة ما كان لك في ماضي أيامك معيداً ترتيبه كما تشاء أنت وتشتهي في مخالفة صارخة لبديهية أن تروى الحياة على ذات شكل سيرها على الأرض وكما حدثت، لا كما سارت على رأسك وفي مخيلتك وتدفعها لذات الاتجاه الذي توده، الاتجاه الذي لا يقول صدقاً ويضع على وجهه قناعاً جلدياً لا يبين شيئاً.
وفي ذات السياق سأعمل على تذكيرك بمقولة لفرانتز كافكا لطالما كنت ترددها أمامي بمناسبة وبدونها. كنت ترددها بطريقة تقول انك كنت تعمل على محاسبة نفسك بشكل مسبق، تحاسبها وكأنك كنت تعلم أي نهاية ستبلغها وتصير عليها وتقول: «عندما نتحدث مع بعضنا البعض: تكون الكلمات قاسية. يمر المرء عليها كما لو أنه يسير على بلاط شارع مرصوف بصورة سيئة. الأشياء الأكثر رقة تصبح أقداماً ثقيلة الحركة ولا نستطيع فعل شي لها. إننا مثبتون بعضنا ببعض في الطرق، أصطدم بك وأنت تصطدم بي.. لا أجرؤ على الحركة، وأنت أيضاً. وعندما نصل إلى بعض الأشياء التي هي ليست بالضرورة احجار طريق، نرى فجأة بأننا نملك ألبسة مقنعة واقنعة وجوه، نعمل بحركات مدورة (أنا قبل كل شيء) ولنصبح فجأة حزينين ومنهكين. هل كنت ذات يوم متعباً مع أحد كما أنت معي؟».
ألم أقل لك أنك صرت في التلاشي وبرغبتك كان هذا. ألم أقل لك أن كل ما تفعله الآن لا يفرق كثيراً عن ما تفعله نملة تحاول ان تحفر برأسها في جدار صلب كمحاولة للنسيان. ألم أقل لك وأطلت في قولي موضحاً وشارحاً وسارداً وكلها محاولات ذاهبة في انعاش حياتك المعطلة.
وألم أقل كل ذلك على أمل وضع قدميك على رصيف الحياة ثانية لكنك لم تلتف ولم تقل شيئاً. اكتفيت فقط برمي نظرة في الشارع المعتم. هي ذاتها النظرة المعلقة دائماً، وكانت حينها موصولة برجاء الذي لن يتحقق، كما وبرجاء التي لن تعود ولن تأتي أبداً.

- جمال جبران