برنامج المانحين بين «الدعاية« و«الإدانة»

برنامج المانحين بين «الدعاية« و«الإدانة» - مصطفى راجح

على شاشة التلفاز شاهد اليمنيون وقائع مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن لدعم اليمن في توفير تمويلات لازمة لبرنامجها التنموي. انتقلت «الجزيرة» من بث وقائع المؤتمر إلى أخيارها الأخرى. بينما التمعت الألعاب النارية ورقصات البرع على شاشة الفضائية اليمنية، ترافقها أناشيد فرائحية واحتفالية استدعيت من الأدراج.
هذه، ومثلها الكتابات والعناوين الإحتفائية في الصحف الرسمية، لا مجال لها هنا. ما تحتاجه اليمن تعميم مزاج من الشعور بالمسؤولية بين الجميع؛ لا أحد يساعدنا، نحن نساعد أنفسنا. من هذه القاعدة، سنتعامل مع برامج المانحين وأي تمويلات ومساعدات من الدول والجهات الخارجية، بروح أخرى لا مجال فيها للدعاية والتزييف. نحن لدينا مشاكلنا في بلد هو مسؤوليتنا جميعاً.
في هذا الحفل تبحث احتياجات التنمية، ويعد لها خطط وبرامج هي اساساً وظيفة إدارة المجتمع، حكومة وسلطات محلية وغيرها.
يقتضي الشعور بالمسؤولية البحث عن مصادر تمويل خارجي، ولكن على أساس الإستفادة الرصينة منها في إنجاز برامجنا وليس للدعاية في إطار إعلام لم يعد قادراً على إعادة صياغة آلياته المتقادمة. تستبدل التركيبة الحاكمة في اليمن، ممكنات النجاح في إدارة المجتمع، بإدعاء النجاح. التلميع بدلاً من المراجعة المستمرة وإعادة التقييم والانجاز.
من هذه العقلية تتناسل سياسات واجراءات شتى. أمن المجتمع لا يعود مهماً بقدر ما يهم أمن السلطة. وسائل الاعلام وامكانياتها لا توظف في التنمية، ولا تفيد لنظام معلومات عن المجتمع وهمومه، بقدر ما تغدو مرآة لخطاب دعائي سمج أقام في مربع المديح وتدبيج الإنجازات، و«كل شيء على ما يرام».
لماذا يدعم المانحون اليمن، ويقدمون لها المساعدات، والقروض؟ يخطئ القائمون على الدعاية الرسمية إن اعتقدوا أن مثل هكذا سؤال يعد مدخلاً مناسباً لترويج الإدارة القائمة باعتبارها الممكن الوحيد والأكثر نجاحاً للمجتمع اليمني.
مؤتمرات الدول المانحة تعقد لدعم الدول المنهارة، مثل: افغانستان، العراق، الصومال..أو الدول المتعثرة، وهي الدول التي يحتمل ان تفقد الاستقرار بفعل ضعف الإقتصاد، وانتشار الفقر، وضعف الجهاز الحكومي، والاضطرابات الأمنية المحتملة، التي تُقرأ بناءً على مقدمات ومعطيات موجودة. وتلك إحدى نتائج 11 سبتمبر. فمحاربة الارهاب تتعدى، في السياسة الدولية، الإجراءات الأمنية إلى النظر في تقليص رقعة الفقر، ومساعدة الدول المتعثرة في توفير الاستقرار، ودعم امكانيات التحول الديمقراطي، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وخلق بيئة اجتماعية تساعد في اجتذاب طاقات المجتمع باتجاه التنمية، وليس باتجاه الحروب الأهلية.
لا يوازي الدعاية السمجة في الاعلام الرسمي، سوى عناوين صحف معارضة، تبحث عن الإدانة للسلطة باعتبارها صيغة نجاح «المعارضة» الوحيدة، وكأن لا مجال أمام المعارضة للنجاح إلا فشل البلد ككل وليس فقط السلطة.
لنقرأ معاً: «اليمن لم يحصل سوى على 5 مليارات دولار»، «الدول المانحة تشترط...»، وكأننا ننجح عندما لا تحصل اليمن إلا على...
هذا البلد حقنا كلنا. والخطاب المعارض ينبغي ان يظهر من الشعور بالمسؤولية ما يستطيع بواسطته أن ينال ثقة أبناء هذا البلد.
ومن هذا الشعور بالمسؤولية ينتقل ليقول ما يشاء، يتحدث عن رؤيته للتنمية، عن فشل التركيبة الحاكمة في إدارة المجتمع، وعن الطريق والوسائل التي بإمكانها أن تدير المجتمع بطريقة أفضل من هذه.
بحث المعارضة عن المشروعية من خلال خطاب الإدانة وتكريس الفشل، هو الوجه الآخر لخطاب سلطة تختصر نجاحها في ادعاء النجاح وترويجه إعلامياً.
بينما الواقع تغير، والعالم تغير، والعقليات ما تزال تجرجر محفوظاتها القديمة بدلاً من إعادة صياغة ذاتها لتكون في مستوى التحديات القائمة.