قصة قصيرة.. وميض

قصة قصيرة.. وميض - سماء علي الصباحي

لا أدري من أين واتتني تلك القوة، حتى لا أجيب على الخلوي وأنا أنظر إلى رقم هاتفك يظهر فيه.. أنا التي حولها حبك إلى روبوت لا يستجيب إلا لصوتك ولا يعيش إلا بخلجاتك، أأبي الأن أن أتزود من إكسير حياتك بضغطة زر صغيرة!؟
ظلت الشاشة تلمع برقمك وتلح عليَّ بوميضها أن أرد عليك.. كان بإمكاني أن أقفل الهاتف وارتاح من كل هذا، لكنني لم أفعل..ربما خشية أن تشعر بضعفي! أو ربما لأنني ما زلت أكنّ لك كل المشاعر.. لا أدري بالضبط.. كل ما أعرفه في هذه اللحظة أنني أرغب في التخلص من قيود حبك التي أسرتني.
عرفتك قبل أن أراك.. حذرني منك جميع من عرفوك.. من تلاعبك واستهتارك بمشاعر الآخرين، أو الأخريات لنكون أكثر دقة، عرفت عنك الكثير منذ أن وطئت قدماي عملي الجديد، وكأن أهمية معرفتك لا تقل أهمية عن معرفة العمل ومتطلباته.. حينها لم أُعر أي اهتمام لأي حديث.. فقد كان جل ما أريده في ذلك الوقت هو إثبات جدارتي في العمل الذي لم يكن حصولي عليه بالأمر الهين.. ثم ماذا أريد أنا من أسلوبك واستهتارك أن كان الجميع يشيد بعملك وتفانيك!
أغمضت عيني وأسندت ظهري على قاعدة سريري وأنا أتذكر أول مرة رأيتك فيها.. لم ألتق بك إلا بعد خمسة شهور من مباشرتي للعمل.. فالقسم الذي أعمل فيه نادراً مايتعاون مع القسم الذي أنت فيه.. يومها التقيت بالشخصية التي تجمع بين الاستهتار والانضباط.. بين اللعب والجد.. بين الحب وال... فقد كنت ماهراً في رسم الصورة التي تحرص أن تتركها في ذهن كل من يتعامل معك وأدهشني نجاحك في أن تجعل صورتك الزائفة المتناقضة تنطلي علي رغم ما عرفته عنك.
كانت أو مرة أشعر فيها بمثل تلك الأحاسيس.. بل كانت المرة الأولى التي أعرف معنى أن يضع الإنسان رأسه لينام فلا يستطيع ولو لدقائق قليلة.. عجزت تماماً عن وصف شعوري وأنا معك، كنت كلما رأيتك شعرت وكأنني إنسانة أخرى.. إنسانة لا تجد نفسها إلا أمامك.. ظننتها في البداية مجرد لحظة انبهار وستنتهي.. أو مجرد وهم وضعت نفسي فيه وصدقته لسذاجتي.. لكن اللحظة طالت والوهم تحول إلى حقيقة.
لم ننته من ذلك العمل إلا بعد وقوعي فيما حُذّرت منه..ولم يصعب على شخص مثلك إدراك ما كنت فيه.. ربما بسبب ملامح و جهي الفاضحة.. أو بسبب تجاربك وخبراتك السابقة.. فأنت الصياد وما نحن سوى اسماك صغيرة في شباكك.
تغيرتُ بعد ذلك تماماً فلم أكن استطيع البوح بكلمة واحدة في حضورك.. كان صوتك يصل إلى قلبي مباشرة دون أية حواجز. أشعر بكلماتك وأحسها بداخلي.. كلمات دائفة، لم استطع يوماً منعها من مسّ شغاف قلي.. ولكن.. بينما كنت أنا صادقة في مشاعري تجاهك وآثار حبك واضحة في معالم وجهي ونظرات عيني، كنت متلاعباً.. بارداً..شحيح العواطف... ترفض الاعتراف بماهية هذه المشاعر وكأنها جرم لا يقع فيه سوى المغفلين.. لذا انشغلت عنك بك.. كتبت رسائل مطولة لك واحتفظت بها لنفسي.. مجرد محاولة بائسة لتهدئة النفس التي هاجت بحبك.. أو هي الرغبة في رؤيتك أمامي متمثلاً بكلماتي التي يخطها قلمي بدافع من قلبي، لألجأ إلي كلما أردت ذلك..
وفي خضم هذا كله أدركت أنني وقعت في حبك من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي..وعندما لاحظت تهربك وتنصلك عن المشاعر التي أمنت لك حبي.. حاولت الهروب منك وتجنب رؤيتك لكنني فشلت.. فنحن لا نقع بإرادتنا.. وأنا كما قلت وقعت في حبك.. وكلما حاولت التخلص من شباك حبك، أعدتني بأسلوبك الغامض اللئيم.. لماذا؟ أخوفاً من أن أنزع عنك لحظة الانتصار وأنت تتركني في قمة تشبثي بك؟ كما حدت لغيري.. أتذكر يوم سألتك:
أتستطيع العيش بدوني؟
ابتسمت ابتسامتك الواثقة واقتربت مني حتى كاد وجهك يلامس وجهي، شعرت بأنفاسك وبصوتك العميق وأنت تهمس:
هل تستطيعين أنت العيش بدوني؟
 لم أجب.. خفق قلبي بشدة وهو يتساءل:
كيف عرفت!!
كيف تعرف هذه الأمور!!
كيف تستطيع سبر أغوار هذه النفوس وتدمير ما فيها دون أن يرتج لك طرف! كيف!!
أي قلب تحمل بين أضلاعك!
لحظات حقدت فيها على نفسي التي تولعت بشخص مثلك وتعلقت به.. شخص يتلذذ برؤية الآخرين يخرون صرعى أمامه.. لم أكن قادرة على أن أحقد عليك.. كنت أعرف أن التي معك أشبه بالمدمن التائب الذي لا سبيل لشفائه إلا بالارادة القوية وأنا مدمنة بحبك.. واصر الآن على أن أشفى من إدماني هذا مهما تحملت وتكبدت من عناء،فيكفيني ما لاقيته منك.. فقد حان الوقت لأعيش حياتي كما أحب.
فتحت عيني لأجد الهاتف على إصراره.. حملته وضعته نصب عيني.. عازمة على ما وصلت إليه.. ضممت ساقي إلى صدري بقوة رغم الضعف الذي أشعر به.
والشاشة تومض..
وأنا انظر..
تومض..
وأنا أنظر..
ولا أدري إلى متى!!