النظام ومؤتمر المانحين

النظام ومؤتمر المانحين - د. ناصر محمد ناصر

أجمعت المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الإهتمام بالشأن اليمني، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، على تصنيف اليمن ضمن الدول الفاشلة المتجهة نحو الخراب، فيا ترى ما الذي تغير فجأة وجعل كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض أدواتهما الإقليمية تدفع نحو عقد مؤتمر للمانحين يتمخض عنه منح النظام 17 مليار دولار؟! رغم علم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما أن جُلَّ هذا المبلغ سيذهب في نهاية المطاف إلى جيوب خاصة ولن ينتفع منه الشعب اليمني، إذ لم يتغير شيء في وضع النظام اليمني إلا نحو الأسوأ، إذاً لا بد أن هناك أسباباً وراء هذا التغير المثير في الموقف الدولي والإقليمي نحو النظام فيا ترى ما هي تلك الأسباب؟
اعتقد أن التطورات الإقليمية والتي حدثت خلال الشهور القليلة الماضية وبصورة متسارعة هي العلة والسبب، ومنها:
1 - بروز قوة المحاكم الإسلامية في الصومال كقوة خطر متعاظم يهدد استراتيجية الولايات المتحدة الرامية إلى التخلص من الحركات والتيارات والقوى الراديكالية في المنطقة، وعدم قدرتها على التدخل المباشر في هذا البلد، هو الذي دفعها للبحث عن أدوات إقليمية تقوم بمحاصرة هذه البؤرة وخنقها ريثما تحين الفرصة للقضاء عليها، وأبرز هذه الأدوات هما النظامان اليمني والأثيوبي، ومن ثم نعتقد في هذا السياق أن علاقة النظام بالولايات المتحدة ستشهد تعاوناً مكثفاً خلال الفترة القادمة حتمه الظرف المستجد في الصومال بعد أن كان هذا التعاون قد تراجع إلى الحضيض، واعتقد أن هذا التعاون سيستمر طالما ظلت قوة المحاكم الإسلامية قائمة. وفي هذا السياق ايضاً نفهم ونقرأ شهادة حسن السيرة والسلوك التي أعطتها واشنطن للنظام عبر إشادتها بنتائج الانتخابات الرئاسية رغم علمها أنها ليست أكثر من مهزلة، بعد أن ساعدها على ذلك أدعياء المشترك في تقديم مشروعية مجانية للنظام على طبق من فضة، ونفهم في هذا السياق أيضاً تبرئة القضاء اليمني ل19 متهماً بالإرهاب استمروا في السجون اليمنية لسنوات ترقباً لتغير وتطور الظروف السياسية، فمن يصدق أن القضاء اليمني المسيّس حتى النخاع يمكن أن يبرئ من يريد ويرغب النظام في إدانته؟! كل ما في الأمر أن النظام أراد أن يخفف من حدة الإحتقان في الدوائر الدينية والراديكالية من جراء توجه النظام الجديد للتحالف مع إثيوبيا والسعودية لحصار واحتواء المحاكم الإسلامية في الصومال فأقدم على هذه الخطوة.
2 - تعثر الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بعد أن اشتدت قوة القوى المناوئة للترتيبات الأمريكية في كلا البلدين، واعتراف الإدارة الأمريكية بفشلها جعل أي من هذين البلدين نموذجاً للديمقراطية قابلاً للإحتذاء. إذ بات هدفها الآن مجرد الحفاظ على الأمن. الأمر الذي دفعها إلى مهادنة كثير من الأنظمة والحكام في المنطقة والذين كان رأيها فيهم أسوأ من أن يوصف.
إن النظام اليمني الذي بات بالأمس القريب في نظر الولايات المتحدة وبريطانيا الرجل المريض الذي لا أمل في شفائه بات المطلوب منهما الآن مد عمر هذا المريض للقيام مع حلفاء واشنطن في المنطقة بدور المحتوي والمحارب بالوكالة في الصومال، وبما أن النظام يتعامى الآن عن التصدعات الخطيرة التي لحقت بالجبهة الداخلية من جراء سياساته، معولاً على الشرعية الأمريكية، فأعتقد أن الأحداث ستفاجئه عندما تتحول تلك التصدعات إلى انهيارات متسارعة، ووقتها لن يكون أمام البيت الأبيض من خيار سوى البحث عن البديل.