أكتوبر.. الأثر والفعل المضاد

أكتوبر.. الأثر والفعل المضاد - فضل علي مبارك

عشية السبت الماضي بينما كان الناس يؤدون صلاة القيام «التراويح» في مساجد عدن لعلعت أصوات الطلقات تخترق عنان السماء لتسطو على اصوات المآذن... وحل الرعب عند كثيرين قبل أن يتبين لهم الأمر.. فقد أعادت لهم تلك الأصوات «مسرحية» انفجارات جبل حديد الشهر الماضي، وانفجارات انابيب مصافي عدن في مدينة البريقة الاسبوع الماضي.
إذن تلك إشارة احتفاء بعيد ثورة 14 أكتوبر الخالدة.. والتي لم يتبق لنا نحن ابناءها ومناضليها من اشارة تدل عليها سوى «كرتون» طماش، يتفضل به علينا الجماعة بعد أن عملوا على طمس هويتها ويسعون إلى وأد معالمها حتى من وجدانات اولئك الناس الذين تشرفوا بها واعتنقوا قيمها ومبادئها، واسسوا معالم بنيانها بشموخ وكبرياء تظل عالقة من قاع الأرض إلى عنان السماء مهما حاول المرجفون ودراويش التاريخ ان يزيفوا حقائقه ويصادروا أبجدياته التي حُفرت بنور ونار بما عملت على الاتيان به وقامت من أجله ورسخت بنيانه شموخاً وعرضاً ويحاول آخرون استثماره بما لم يأت به الله أو قانون الطبيعة والتاريخ والسياسة من سلطان، باعمال خرقاء تستهدف تحوير تلك الرؤى والأهداف والاستراتيجيات وتفصيلها على «ما يشتهي الوزان» سواء بنسب ايجابياتها لراهن اليوم أو افتعال تشويه صورة مسيرتها لنحو ثلاثة عقود من الزمن.
أنه لأمر مفروغ منه يصدر عن تفكير أخرق أن يجري اليوم بفعل «سياسي» مستميت خلق نوع من الرابط وايجاد المبررات له بواحدية الثورة اليمنية، كما يسعى اليوم كثيرون استناداً إلى منطق الاستقواء وعملية فرض الأمر الواقع، في ظل ضعف الطرف الآخر أو إجباره على السكوت سواء بشراء موقفه أو ترهيبه، وهناك من أصبح يبيع ويشتري ولا يهمه التأسيس لتنقيح تاريخ الثورة أو قول كلمة حق بقدرما يهمه كم سوف يقبض أو الحفاظ على منصبه وموقعه الحالي.
لكن حقيقة الأمر التي تشع نوراً أن التاريخ هو التاريخ، لا يرتبط برغبات اشخاص مهما أتوا من افعال، لأن الزمن كفيل بإعادة صياغة صفحات التاريخ وفقاً لتلك الأحداث والوقائع وبعيداً عن الشوائب المرتبطة بالأهواء والامزجة، أو اللحظات الآنية التي ما ينفك أصحابها أن يغيروا جلودهم وبحسب الزمان والمكان.
وفي هذا المقام يمكن القول وفق منطق التاريخ وحقائقه المتجلية انه اذا ما وقفنا بتجرد وموضوعية وبعيداً عن الشطط والغلو أو النية المبيتة، فإنه لا يوجد أدنى رابط لا موضوعي ولا ذاتي بما يقود إلى ما يتحدث به البعض مع حلول كل ذكرى لثورة 14 اكتوبر الخالدة حول «واحدية الثورة اليمنية» وهو (المنهج) المستحدث خلال السنوات الأخيرة ولم يكن له شأن أو ذكر قبلاً وذلك لعدة اسباب.
أولاً: شتان ما بين فعل سبتمبر وفعل اكتوبر.. فاكتوبر كان حدث وفعل ثورة شعبية مسلحة قامت لتحرير الأراضي والشعب من مستعمر أجنبي غاصب واعتمدت طريق الكفاح المسلح حتى تحقيق النصر المظفر، واجترح خلال سنوات الكفاح المسلح الأربع شعب الجنوب بطولات ومواقف نضالية خالدة، فيما كان فعل 26 سبتمبر مجرد (حركة) فرضتها دوافع الظلم والمعاناة التي كان يتجرعها الشعب في الشمال واستبدلت في أثرها المملكة بالجمهورية والإمام بالرئيس، ولو أن الامام احمد قد واكب العصر وقام بإجراء عدد من الاصلاحات وعمل على تحسين مستوى حياة شعبه مثله مثل حكام الدول المحيطة، لكان الابقاء عليه قائماً ولما قامت أية بوادر للتغيير. ولا تختلف في مضمونها وجوهرها عن حركات التصحيح اللاحقة التي جرت وان اختلفت في الشكل والطريقة والاسلوب.
ثانياً: وان كان هناك من دعم أو فضل لاحد منهما (سبتمبر واكتوبر) على الآخر فإن دعم سبتمبر ينحصر في الدعم اللوجستي فقط عندما كان ثوار الجبهة القومية يتخذون من بعض المناطق مثل تعز والبيضاء وغيرها معسكرات ومواقع انطلاق.
أما أبناء الجنوب فقد شكلوا قوافل نضال وانطلقوا من مناطقهم في أبين وشبوة والضالع ويافع وعدن وحضرموت وغيرها للدفاع عن الجمهورية الوليدة ونصرتها، ولم نسمع عن قافلة واحدة مكونة حتى من شخص واحد انطلقت من تعز أو حجة أو صنعاء أو الجوف أو ذمار أو عمران أو غيرها للانخراط في عمليات مرحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني. أما اولئك الاشخاص من ابناء الشمال الذين اشتركوا في النضال المسلح وكان لهم شرف الاسهام فقد استوطنوا عدن بعد نزوحهم من مناطقهم وبالذات مناطق تعز وزبيد والبيضاء.
ولذلك فإننا ندعو هؤلاء ان يبطلوا ويتقوا الله والتاريخ.. ومحاولات تزييف وعي الاجيال بابتداع المسميات الجوفاء والتي لا تحمل أية دلالات أو مضامين مثل «اكتوبر الوليد الشرعي لسبتمبر» أو «ثورة اكتوبر الأبية لثورة سبتمبر» أو «كلمة اكتوبر نتاج طبيعي» وغيرها.
وبذلك هل يفيق هؤلاء من غفوتهم ليعملوا على التأسيس لفعل تاريخي موضوعي؟