وأخرى.. حياة في ال inbox

وأخرى.. حياة في ال inbox

هل تعتقد الآن أن قلبك ينام في المرقد الصحيح والآمن؟
هل تعتقد أنه صار حراً، متحرراً وعابثاً بهواك وبحياتك، وهل تعتقد أنك قد صرت الآن ناسياً أو متناسياً أحبابك الذين ذهبوا لحال سبيلهم، أصدقاؤك الذين ماتوا، الذين راحوا خالدين في قبورهم؟
وكنت حينها تقوم بتوديعهم واحداً إثر آخر.
لم تنتبه لكل هذا وكأنه قد حدث فجأة وبلا سابق إنذار. كتلاش بطيء للضوء لا تراه يحدث ولا تمنحه بالاً.
لكنه يحدث. تلاش بطيء وصامت للضوء ولا تنتبه إلا وقد صارت حياتك عتمة كاملة. حياة متألمة تنام في الحسرة واللون البني. وكأنك اشتغلت على كل هذا بدأب وكنت تسهر على راحته منتظراً تمام اكتماله وتحققه.
وكنت خلال هذا وفيه تعمل خلفية عريضة لأيامك السوداء تلك كما هذه إذ وكل ما أنت فيه الآن قد صار أسوداً تاماً. كنت خلال هذا تعمل خلفية عريضة قوامها ماقاله رينيه شار لفتاته:
«مرت الأعوام.
ماتت العواصف.
رحل العالم.
وكان يؤلمني الاحساس ان قلبك حقاً لم يعد يراني.
كنت أحبك.
أنا الذي لا وجه لي،
الفارغ من أي سعادة.
كنت أحبك،
متغيراً في كل شيء،
وفياً لك».
هو ذاته رينيه شار الذي يحتفلون الآن لمرور مائة عام على ولادته وأنت في الinboxخاصتك كما وفي عتمتك.
رينيه شار الذي لطالما شغلتنا به ولم تكن تدع يوماً يمر لحال سبيله إلا وذكرته فيه. شار الذي كان قلادة على قلبك ولسانك. الذي كان رايتك المعروفة على كل صفحة من صفحات مذكراتك الجامعية ومنسوخاً عليها. أتذكر: «لقد أحصينا كل الألم الذي يمكن الجلاد ممارسته عرضياً على كل إنش من أجسادنا، ثم ونحن منقبضوا القلب، مضينا وواجهنا».
لكنك الآن وللأسف لم تعد تذكر له سوى:
«أنا الذي لا وجه لي،
الفارغ من أي سعادة».
أذهبتَ كل كلامه ولم تبق إلا على هذي الابيات السوداء التي توخز. الابيات التي بأسنان وتعض القلب وتدميه.
الابيات التي بفك سمكة قرش وأقدام ديناصور هرم.
الأبيات التي كراية مرفوعة على سفينة قراصنة لا يعرفون راحة بال إلا وقد ناموا في الدم.
أذهبتَ رينية شار في نسيانك ولم يعد باقياً منه فيك سوى بضع كلمات تبكي وترفع راية حداد أبدي. سوى بضع كلمات ترقص على بقايا جثث محروقة أو راحت في تعفنها. أذهبت رينيه شار في نسيانك ولم تعد منتبهاً لشيء أو لأحد. لم تعد منتبهاً سوى لفراغك وعزلتك وبردك. لم تعد منتبهاً سوى لمأتمك المتواصل وأصابعك التي كأنها تهيم في اللا شيء، فراغ الinobx مثلاً.
أذهبت رينيه شار في نسيانك ولم تعد ذلك الفتى الراقص على طول، المبتهج بحياته والفرحان بها.
أذهبته وأذهبت نفسك معلناً انتماءك للعتمة.. وحياة الخفاء.

- جمال جبران