بعد الانتخابات.. الطريق إلى دولة المؤسسات و«المعايير الوطنية»

بعد الانتخابات.. الطريق إلى دولة المؤسسات و«المعايير الوطنية» - محمد سعيد سالم

يبدو لنا أن «مخرجات» الواقع الوطني والسياسي، بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية «الساخنة»، يشير كثير منها إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح، بعد فوزه بالانتخابات، وفوز حزب المؤتمر الشعبي (الحزب الحاكم) بأكثيرة المجالس المحلية في المحافظات، يشير إلىأن الوعود الانتخابية المعلنة من الرئيس قبل الانتخابات ستحظى بتوجهات صارمة وجادة، على خلاف ما سبق، وأن هدف بناء الدولة الحديثة في اليمن، سيبدأ العمل على تحقيقه!!
كلنا يعلم، القاصي والداني، الصغير والكبير، أن مشروع الدولة الحديثة والمؤسسية عنوان كبير، رفعته كل القوى الوطنية والسياسية منذ إعلان دولة الوحدة في 22 مايو 1990 وصار هدفاً معلناً وواضحاً لكل حزب سياسي، أو منظمة أهلية، أو لكل نخب فكرية وثقافية وحتى مذهبية أو قبلية.. وهذا ما أفرزته حالات المخاض غير المسبوقة، التي سبقت الانتخابات الأخيرة، فقد كان الشعار التنافسي المرفوع هو بناء دولة المؤسسات.
إذن، لم يعد هنا أحد يرفض قيام الدولة الحديثة «العصرية» في اليمن، مع الاعتراف ان ذلك ينبغي أن يقوم على خصوصية اليمن، ومكونها الثقافي والإنساني، ووفقاً للمعايير الوطنية التي تقوم على «إجمال وطني» أساسه الحوار المستمر.
معايير وطنية ودور جماعي
على ضوء ما تقدم فإن المعايير الوطنية هي المرتكز الأساس لانشاء مكونات مؤسسات الدولة في المرحلة القادمة، وخاصة فيما كان يختص بالهيئات والادارات التي تؤدي واجبات فنية ومهنية وادارية مباشرة، أما «الوظيفة السياسية» فهذا أمر -كما هو معروف- في كل بلاد العالم، تفرضه توجهات الحزب أو الاحزاب التي تتولى أمر الحكم على خلفية انتخابات ديممقراطية، يتم الاعتراف بنزاهتها ونتائجها، وهي مناصب محصورة، في الأساس الغالب، بمنصب الوزير ورئيس الحكومة.
إذن، في رأيي، أن العبئ الكبير في هدف بناء دولة المؤسسات، الدولة الحديثة في بلادنا، سيكون على الرئيس صالح بصورة شخصية، لأنه الوحيد القادر على الدفاع عن برنامجه الانتخابي، الذي استوعب الكثير من «شروط الشعب» الذي (أقنعه) بالعدول عن قراره بعدم الترشح للانتخابات، ثم انتخبه رئيساً في آخر ولاية دستورية له، ليكمل المشوار الذي بدأه.
كما أن الرئيس الصالح، سيواجه تحديات كبرى في اختيار الرجال القادرين، من حوله، على إرساء آليات وقواعد العمل بنهج بناء الدولة الحديثة في اليمن، ويتمنى الشعب اليمني في نفس الوقت ألا تنحصر عملية اختيار الرجال على، ومن، الحزب الحاكم، لأن بناء الدولة الحديثة «دولة المؤسسات»، في وطن الوحدة، عملية جماعية تضامنية، تقوم على كاهل كل أبناء الوطن، وفي المقدمة منهم: الأحزاب والقوى الوطنية والاجتماعية المختلفة، فبناء الدولة الحديثة هدف وطني عام، وهو بذلك مسؤولية جماعية، والرئيس هو المكلف بتحديد هذه المسؤولية وقيادتها نحو الهدف بعيداً عن المكايدات الحزبية، وتجاذبات المصالح وصراعات المتنفذين.
تأهيل اليمن ومشكلة الفساد
إن اليمن مقبلة على إعادة تأهيل، وهذا أمر أكده الاخ الرئيس اكثر من مرة، وعملية تأهيل اليمن ستكلف 45 مليار دولار، ستقدمها الدول الشقيقة في المنطقة، والدول المانحة. وهنا، في تقديري، ساحة الاختبار الحقيقي لارادة دفع مسيرة اليمن ومشروعها التنموي التحديثي إلى الامام.
فلا يمكن تأهيل اليمن إلا من خلال هدم مختلف المعايير والسياسات، التي اعطت الفرصة للفساد والمفسدين ليكون صاحب قرار وإرادة في مختلف مؤسسات الدولة، وحتى في الاحزاب السياسية، واستثارة روح ومرتكزات المهنية والشفافية، والعمل الصادق بمبدأ الثواب والعقاب، مع ضرورة تنحية من كان هو والفساد وجهين لعملة واحدة..
قد تحتاج العملية وقتاً وجهداً، وقد يعترضها موروث طاغٍ من آليات الفساد وأنصاره، ولكن «الوطن الوقور» لا يناسبه أن يلبس لباس «الراقصين».
الحاجة الحقيقية للشعب
إن حاجة الشعب اليمني إلى دولة مؤسسات حاجة كبرى مثل حاجة الانسان إلى «الايمان لدخول الجنة». فدولة المؤسسات هي الرابط التاريخي والانساني بين الحاكم والمحكوم بين الناس وبين كل من يرفعون باسمهم شعارات الحرية والديمقراطية، ويطلبون اصواتهم باسم الدفاع عن آمالهم وتطلعاتهم.
في هذا الجانب بالذات «بنا الدولة الحديثة في اليمن» لم نعد نحتاج إلى مكائد، اننا نحتاج إلى عزائم صادقة، لا نريد ان نصل إلى ماوصلت إليه شعوب كثيرة تقول:«نعوذ بالله من الشيطان والسياسيين». نريد أن نعيد الاعتبار إلى الايمان والحكمة في بلادنا.