في خضم الأجواء الانتخابية: النقابات.. حيادٌ إيجابي أو إنحياز كارثي

في خضم الأجواء الانتخابية: النقابات.. حيادٌ إيجابي أو إنحياز كارثي

- علي الضبيبي
لم يتوقف الجدل -مع أو ضد- في الانتخابات الرئاسية، عند حدود الأفراد وبعض الشخصيات المؤثرة، وإنما كشفت الانتخابات القناع عن نقابات واتحادات كانت تتخفى تحت يافطة الاستقلالية والحياد، بدءاً باتحاد الغرف التجارية الذي حضر بقوة وسط العراك السياسي، واغدق بسخاء أموالاً وفيرة ظهرت في لافتات ولوحات دعائية ضخمة تحولت فيها واجهات الشوارع والبنايات إلى ساحة مباهاة بين التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين تفانوا في السباق على أكبر وأجمل لوحة تؤيد مرشح الحزب الحاكم وذلك بعد أن قال رئيس الغرف التجارية ان التجار على استعداد لتمويل علي عبدالله صالح بملياري ريال في حملته الانتخابية الراهنة.
وقبيل يوم الإقتراع اعلن المركز الاعلامي للمؤتمر الشعبي العام أن (17) نقابة واتحاد ستمنح اصواتها لمرشحه، من بينها نقابات فرضها النظام واوجدها في مضاهات اخرى محسوبة على المعارضة.
الملفت للنظر غياب تلك النقابات الحيوية والفاعلة، كالصحافيين، والمحامين، والطلاب، واتحاد اعضاء هيئة تدريس الجامعات، عن ذلك الضجيج، ونأت بأعضائها، ترجيح كفة على أخرى.
وكانت نقابة المعلمين اليمنيين، والنقابة العامة للمهن التعليمية، ونقابة التعليم الفني والتدريب المهني، قد اصدرت بياناً دعت فيه كل منتسبيها إلى «صنع عملية التحول الديمقراطي السلمي وإحداث التغيير الذي تتحق معه العدالة»، لكنها لم تحدد أياً من مرشحي الرئاسة ستمنحه الصوت.
نقيب المعلمين أحمد الرباحي اعتبر البيان بمثابة موقف احتجاجي على السلطة لعدم استجابتها لمطالب المعلمين، وقال: «اتخذنا موقفاً احتجاجياً مشروعاً تجاه سلطة ظالمة منتهكة للقوانين ولم تمارس عملاً حزبياً».وعلى الشاطئ الآخر تقف نقابة المهن التربوية إلى صف مرشح الحزب الحاكم بالـ«فم المليان» حتى بدا أمينها العام محمد حمود حنظل في شعور نرجسي طافح: «كل النقابات والاتحادات سترشح علي عبدالله صالح بما فيهم الاشتراكي وسنبوس أرجل الرئيس من اجل مصلحة الوطن».
المحامون ليسوا كذلك فرغم مناشدتهم للرئيس بالعدول عن قراره من خلال بيان أيدته أغلبية مجلس النقابة إلا أنهم لم يناشدوا الجماهير للتصويت له الآن.
نقيب المحامين عبدالفتاح البصير برر ذلك بالقول: «العمل النقابي لا ينبغي أن يخضع للعمل السياسي «الحزبي»، كون النقابة تجمع لفيفا من الاعضاء بأكثر من اتجاه وانتماء سياسي وبالتالي فهي شخصية معنوية حين اتخذت قرار المناشدة بالعدول بينما الانتخابات مسؤولية فردي». وأضاف :«البيان الذي ناشدنا فيه الرئيس حظي بتأييد الأغلبية، وصدر بناءً على محضر موثق». لكن ذلك من وجهة نظر أمين عام النقابة المحامي محمد ناجي علاو «غير قانونياً وليس من حق أي نقابة إصدار بيان كموقف سياسي مهما كان حجم الأقلية ولو فرداً». معيباً في نفس الوقت على تلك النقابات التي اتخذت موقفاً تأييدياً لبعض المرشحين، وقال إن ذلك يدخل ضمن الموروث الشمولي والاستبدادي المقيت، حيث أن النقابات عبارة عن تجمع مهني انشئ بغرض حماية منتسبي المهنة أثناء ادائهم لواجبات مهنتهم وبالتالي فهي تمثلهم مهنياً ولا تمثلهم سياسياً، وحين تمارس أي نقابة علناً الدعاية والتأييد لدعم مرشح معين يعتبر خروجاً عن واجب الحياد المهني والمصادرة السياسية لإرادة منتسبيها».
وأضاف علاو: « لكل نقابة عقد تأسيس يحظر عليها بموجبه ممارسة النشاط السياسي لصالح حزب بعينه».
نقابات الاطباء الثلاث ظهرت اثنتان منها في بيان المركز الاعلامي للمؤتمر ضمن المؤيدين. أما النقابة الأساسية التي صعَّدت احتجاجاتها في الاشهر الماضية حد الاضراب الشامل عن العمل فقد بدت في موقف شبه محايد، حيث دعا امينها العام، د. عبدالقوي الشميري، الاعضاء إلى المشاركة الفاعلة والمسؤولة، ولوَّح بالتغيير كضرورة لإصلاح الاوضاع المتردية. في حين اكد نائب النقيب، د.محمد مهيوب، أن النقابة لا يمكن ان يكون لها موقف مؤيد لهذا المرشح أو غيره، حيث يحظر عليها نظامها الاساسي ذلك.
أما نقابة الصحفيين التي لم يمر على انتخابات نقيبها الجديد ثلاثة أشهر، فقد استطاعت التماسك دون ان تهزها رياح الانتخابات الرئاسية. وحسب مصدر مسؤول فيها فإن النقابة لم تتخذ أي موقف سياسي حيال الانتخابات، حيث الفرصة متاحة لجميع اعضائها ولهم حرية الاختيار دونما ايماءات وأن الهيئة الادارية فيها تنأى بنفسها عن أن تكون أداة سياسية لأي طرف أو ملحقاً بحزب أو شخص أياً كان.
الموقف ذاته أتخذته نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء. وباتفاق أعضائها قالت إن منتسبيها سيصوتون في الانتخابات لمن يرونه مناسباً وليس هناك أي توجيه أو بيان أو إشارة لأحد منهم، حسب رئيسها د. عبدالرحمن غانم، وعضو الهيئة الادارية د. صالح السنباني.
أما اتحاد الطلاب ورغم اللوائح التي صدرت -ومازالت محل اعتراض- لتحجيم حضورهم ونشاطهم السياسي داخل الجامعة، فقد ادان رضوان مسعود وهو رئيس الاتحاد العام لطلاب اليمن، ما اسماه باستغلال إدارة الجامعة لباصاتها ومكبرات الصوت لصالح مرشح الحزب الحاكم، حيث اقيمت انشطة وفعاليات حزبية بتمويل ورعاية رئاسة الجامعة. واعتبر أن الاتحاد هيئة نقابية مستقلة لا يمكن ان تجرجرها الاحزاب او الاشخاص.
 اجمالاً تبقى وحدها فقط نقابات ذات صبغة مهنية تلك التي تستعصي على الذوبان في اسطوانة الاحزاب، والجري وراء مصلحة ما خارج حدود المهنية والأعضاء. على خلافها تلك التي اصبحت بمثابة ملاحق حزبية وتوابع لاطراف سياسية جاهزة لإصدار البيانات وتكثيف الصور في الوقت الذي تقرره احزابها على حساب قوانينها وانظمتها وحتى إرادة منتسبيها. والذي يبدو أن نقابات كثيرة تظهر في اوقات مناسباتية فقط. حيث اوجدتها الأحزاب ولم يوجدها اصحاب المهنة، ومن ثم تحول دورها من مهني إلى سياسي بحت تدافع عن الحزب أكثر من دفاعها عن منتسبيها المنضوين ايضاً في ذات الكيان الحزبي.