تجاذب غير معقول

تجاذب غير معقول - عبدالباري طاهر

الحصار والحرب الإسرائيلية المدمرة ليس مردها فوز حماس في انتخابات حرة وديمقراطية فقد اغتيل ابو عمار بالسم وهو محاصر في المقاطعة. كما ان الحصار والحرب الاجرامية مستعرة ضد فلسطين والفلسطينيين منذ الانتفاضة الاولى 87.
ولا شك ان الحرب والحصار يتصاعدان بتصاعد وتيرة المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني.
ومعروف أن إسرائيل قد استفادت والى ابعد مدى من اجواء ما بعد حرب امريكا ضد الإرهاب عقب إحداث ال11 من سبتمبر 2001. فقد اعتبر الرئيس بوش والمحافظون الجدد إسرائيل اداة الحرب الرئيسية في الشرق الاوسط. وتراجعت مكانة الحكام العرب من حلفاء امريكا كما استغلت فوز حماس لتؤكد انها تخوض معركة امريكا ضد عدو مشترك هو "الإرهاب الاسلامي!".
لم يكن مستغربا خلط الاوراق وعدم التمييز بين المقاومة الوطنية والارهاب سواء من ناحية الإدارة الأمريكية أو حليفتها إسرائيل، وانما اللافت التجاذب اللا منطقي بين القيادتين الفلسطينيتين: فتح وحماس؛ فحماس التي انتصرت بإرادة غالبية الشعب الفلسطيني وعلى ارضية ومشروعية اتفاقات اوسلو ومدريد وبعض الاتفاقات والقرارات الدولية أصرت على مشروعية كفاح مسلح لم تعد تمارسه فعلا، اما قيادة حركة فتح التي يحسب لها القبول بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع فقد افزعتها النتيجه الديمقراطية والهزيمة التي لم تكن تتوقعها فراحت تضع العصي في دواليب حماس وتسهم بقصد أو بدون قصد في تاليب بيئة عربية ودولية معادية لحماس اصلا.
لقد رفعت حركة حماس شعار حكومة وحدة وطنية وبذلت جهودا طيبة للتحاور مع الاطراف الفلسطينية المختلفة وبالأخص قيادة فتح ولكن قيادة فتح راهنت على الصعوبات والعقبات التي ستواجه حماس، ورفضت المشاركة لان حماس لم تقر بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
رفض حماس الاعتراف بالمنظمة وبالاتفاقات الدولية الموقعة على خطله قوبل برد فتحاوي لا يقل ضررا وخطورة حيث راحت قيادة فتح تجاري أو على الاقل، تتغاضى عن الحملة الجائرة المجرمة لحماس والمستهينة بالحصار الخانق الذي يستهدف فلسطين كلها بما في ذلك فتح.
وكان لرفض المشاركة في حكومة وحدة وطنية، بغض النظر عن الاسباب والمبررات، نتائج كارثية.
فقد أدى تفرد حماس بتشكيل الحكومة إلى المزيد من تصاعد الخلافات حد المواجهة وهو ما تكرر أكثر من مرة ووضع الشعب الفلسطيني امام خطر الاقتتال الاهلي.
اسهم الوضع المتداعي داخليا في تمكين إسرائيل من فرض الحصار واعلان الحرب ضد كل ما هو فلسطيني بما في ذلك الاشجار والاحجار.
وقد وجد الموقف العربي الرسمي في هذا التجاذب مبرره الكامل لينفض يده من القضية برمتها، وليتخلى كلية عن دعم ومساندة فلسطين حتى من الناحية المعنوية والسياسية.
وامام التصارع الفلسطيني فقد تراجع التعاطف والتاييد الدولي، واعطى للامريكان حق التماهي مع مخطط الدولة الإسرائيلية، بما فيها التصفية النهائية عبر الحل المنفرد المفروض بالقوة وبجدار الفصل العنصري.
التصارع الفلسطيني الفلسطيني والاعتداءات المتكررة من قبل مسلحين ضد مؤسسات الحكم الفلسطيني وبالأخص البرلمان قد اغرى إسرائيل بالتمادي أكثر في حربها ضد البرلمان الفلسطيني المنتخب والحكومة المنتخبة وربما شجع إسرائيل على الحرب ضد لبنان؛ فسكوت البلدان العربية والمجتمع الدولي والتاييد الامريكي اللامحدود كلها عوامل اغراء لتوسيع نطاق الحرب والعدوان.
صحيح ان حماس وقيادتها وممثليها في البرلمان والحكم يواجهون القتل والاختطاف والأسر ولكن هذا الاسلوب مفتوح على كل الاتجاهات ولن يقتصر على طرف فلسطيني واحد. وقيادة فتح اول ضحايا الفاشية الإسرائيلية.
والمحزن حقا ان يجري التصارع والخلاف من حول تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية، وحصه كل طرف من اطرافها واشتراطات من هذا الطرف أو ذاك انما تستهين بقضيتها ولا تحفل بمعاناة الشعب المحتل ولا تقدر المخاطر المحدقه بالجميع.
لم تكن حركة حماس مدركة طبيعة الاوضاع المعقدة والخطيرة. ولعل اخطر تحد توا جهه هو الانغرار بالتفويض الشعبي القوي وعدم القراءة السياسية العميقة والواقعية للوضع العربي المنهار وللوضع الدولي شديد الانحياز، بقيادة امريكا.
لقد استطاع الشعب الفلسطيني الصبر على التقتيل والتشريد والحصار، لكنه لا يستطيع الصبر على التصارع الداخلي، وتربص كل طرف بالآخر. واذا كان الاحتكام إلى السلاح والاقتتال الداخلي مدانا في أي زمان ومكان ومن أي طرف فانه يمثل اكبر خدمة لجيش الاحتلال ويحقق لحرب الابادة الإسرائيلية ما عجز جيشها وعصاباتها عن تحقيقه على مدى أكثر من نصف قرن.
ان اكتفاء حركة حماس بالتفويض الشعبي قد دفعها إلى تجاهل أهمية الاعتراف بمنظمة التحرير والقبول بالاتفاقات الدولية والقبول بالمنظمة كمرجعية لكفاح الشعب. كما أن هزيمة قيادة فتح قد دفعتها إلى التصرف بعقلية الانتقام والتشفي مستهينه بالمخاطر التي تطال الوجود الفلسطيني.
ويجد الفلسطينيون انفسهم امام اطول احتلال في التاريخ المعاصر، وامام آخر نظام فصل عنصري يواجه البشرية في القرن الواحد والعشرين، وامام نظام عربي بليد لا هم له غير حمايه نفسه “ ومن يعول “.
وفي حين يتماهى الموقفان: الأمريكي والإسرائيلي، في الحرب ضد الفلسطينيين، فان اروبا تقف موقف المتفرج والتغاضي عن جرائم حرب حقيقية، ولم يعد لمجلس الأمن من معنى بعد هيمنه الولايات المتحدة الأمريكية عليه.
من حق المعلمين والموظفين والمواطنين ان يتظاهروا ضد أمريكا وإسرائيل والمجتمع الدولي الذي يسمح بتجويع الفلسطيني ومحاصرته وحرمانه من لقمة العيش الكفاف ولكن ما يحزن تحرك الأجهزة الأمنية رافعة السلاح وقد تعتدي على هيبة الدولة ما يؤخذ على قيادة فتح توظيف التظاهر ضد حماس وكانها صانعة الحصار. وتقترف حماس نفس الخطيئه بعدم الإدراك العميق لمعاناة الناس والأكثر تفجيعا التلويح بإقالة الحكومة وتحميلها مسئولية الحصار الإسرائيلي. وليس امام الفلسطينيين من خيار غير التحاور والتخلي عن الأنانية الضيقة وبناء وحده وطنية حقيقية تحترم إرادة الناخب الفلسطيني وتأخذ وثيقة الأسرى بعين الاعتبار وتدرس بعمق الوضع الدولي المتفلت والشديد الخطورة.