وأخرى.. تذهب ولا يراك أحد..

وأخرى.. تذهب ولا يراك أحد..

وتتمنى وصولك سريعاً نحو نقطة واقعة على آخر سطر، كتابة.. أو حياة، إذ صرت كائناً يهوى النهايات السريعة والتي بلا ألم تكون.
هذا شرط وصولها ووصولك. سطرك لو ينتهي الآن وكتابة منجزة كطيف.. وحياة لو أنها تذهب في حال سبيلها، لا مهزومة ولا مغدورة كما ومكذوب عليها، وتمضي مازلت، على الرغم من الكلام الذي يجرح الروح تماماً، الكلام الذي كان فجأة اكتشافه، الكلام الذابح كحرب أهلية، كمجزرة أجهزت على حديقة ورود وكانت، الى ما قبل قليل نابضة وترقص.
قبل هذا وفي حالة الموسيقى غير الصاخبة والتي بلا كلام يأتيك ما يشبه الصباح. البياض الذي بلاحرب أهلية ولا ما يغطي الاشياء ويخفي تحتها الألم، ذاته ما يذهب بروحك طالبة وصولها والنهاية التي بلا كلام تكون. مناخ مناسب يعمل دخولك في نقطة أخيرة وبصمت، بلا كثافة حمراء تكرهها تسكن تحت القلب، تحبه مفتوحاً وبلا شفرة وماكياج مبالغ وضاج في طريقة صنعه.
وتذكر كل الصباحات الآن. مناسبة جيدة وملونة لان تقول بأنك قد رقصت وأنت في تسللك نحوها. ذاتها القضبان الصلبة والعنيدة ماتزال على حالها كما والعسس، القضبان المتوازية عمودياً وكانت ناقصة قضيباً، مدخلك وبداية الطريق نحو الجنة والبراح الرائح في نزاهته او ما كنت تظن انه لن يحيلك يوماً الى مجرد كائن يخاف الليل، المتأخر، في لحظاته المنتهية.
فرصة سانحة لوصول ولاكتمال الصعود والتنزه تحت شرفة بلا ستائر ولا يراك عليها أحد.
هي نقطة فقط وينتهي، ربما سطرك، الكتابة التي لا تقول شيئاً ولن تقول.. الحياة البلا كلام، مجرد موسيقى تصويرية فقط، موسيقى جنائزية تماماً معمولة على نوتة أنجزت بشكل يليق بوصولك حتى نهاية السطر، والكتابة الحياة..
كأنه هوس يفيض ويقع تماماً على ما تريد، تهوى النهايات الباردة والتي بلا ألم تكون، لا تلك المغدورة والمكذوب عليها.
وعليه تذكر أوسكار في «طبل الصفيح».. أوسكار القزم، المعتوه ظاهرياً والناضج نضوج الراشدين، الذي أوقف نموه في عيد ميلاده الثالث، حتى لا يكون تاجراً مثل أبيه ولا سياسياً مثل هتلر، ولكي يكون شاهداً وحراً طليقاً.. هذا في المقدمة فقط لـ«طبل الصفيح» التي لم تدخل فيها بعد، أوسكار إذن مقدمة تليق بنهاية، وذاتها ما تبحث عنه كما ولو بواسطة أنف مدربة جيداً.
أكتب هذا وقد رحلت أنت، كتابة متأخرة نعم، لكنها تليق بما كان في ليلك المتأخر ايضاً، أو لياليك التي كنت تذهب اليها غير منتبه لشيء او لأحد.
ذهبت أنت وما زلت أنا هنا أتقدم غير ملتفت لما كان. بينك وبيني شرفة بلا ستائر.. ولا يرانا أحد..

- جمال جبران