نافذة.. قواعد سلوك

نافذة.. قواعد سلوك - منصور هائل

استعاد الإعلامي السوداني الذي شارك في ملتقى "قناة الجزيرة" حول "الإعلام في العالم العربي والآخر" الذي انعقد مطلع هذا الأسبوع بمدينة أصيله المغربية، ما حدث للكاتب والروائي السوداني المعروف الطيب صالح، عندما كان مديراً عاماً للإعلام في دولة قطر التي استضافت، قبل أكثر من عقدين، مؤتمراً هاماً للدول المصدرة للنفط في عاصمتها الدوحة، ووجهت الدعوة للكثير من الصحفيين المرموقين في العالم.
وكان على الطيب أن يقوم بواجبه على حساب الدولة المضيفة في التهيئة لاستقبال الصحفيين وحجز الفندق الخاص بإقامتهم على حساب الدولة المضيفة. ولم يخطر على باله قط ان يلقى ممانعة قوية من قبل العديد من الصحفيين الغربيين، خاصة، الذين اعتذروا بكياسة وعبروا عن رغبتهم باختيار الفنادق التي يرونها مناسبة لإقامتهم، وأصروا على دفع تكاليف ذلك من جيوبهم، من موقع التمسك بمبدأ "لا يقبل المساومة و لا (رشوة) الضيافة!".
لاشك أن ما حدث قد أضاف جديداً مفيداً إلى رصيد خبرة الكاتب الروائي السوداني اللامع، الذي استوقفه الأمر وانبهر بانفجار ضوء ذلك الحدث الكاشف لزوايا لم تكن مرئية في عينيه، وأبعاد لم يكن يدركها في مهنة الصحافة وفي طابع عمل الصحفي الحر والمتحرر من أي ارتهان لأي سلطة غير سلطة الصحافة و (جوهر) وظيفتها في خدمة الحقيقة بنزاهة وحياد.
لقد استعاد الإعلامي السوداني ما صار مع الطيب صالح في معرض تعقيبه على مداخلات سابقة لامست الإعلام العربي بالمقارنة مع الإعلام الغربي (الآخر).
وتقصد المتحدث السوداني فتح الباب للسؤال التالي: ماذا لو كان الصحفيون الضيوف من العرب؟!
وأردف أن الصحفيين العرب يدورون حول السلطة، وموائدها في أغلب أحوالهم و.. المعلوم أن أشهرهم (يقصد الأستاذ هيكل) ما كان له أن يمتلك ناصية الشهرة الضاربة في الأرجاء لو لم يكن على تماس بصانع القرار المتحكم بدولاب المعلومات والأسرار والمصائر والأرزاق والأقدار.
ولم تكن إلماحات المتحدث حول أوضاع الصحافة العربية تحتاج إلى ترجمة فصيحة تقول بمأساوية وهزلية أوضاع هذه الصحافة وإن اعتمدت في بعض الحالات على ذات المعايير المعتمدة في إعلام "الآخر".
ولما كانت حالة الصحافة اليمنية هي الأسواء من حيث تخبطها في دياجير العشوائية والاعتباط والارتجال، ومن زاوية افتقارها للتمأسس والمؤسسية وترنحها دائرة (سوء السمعة) واتضاع المكانة؛ فإنها لن تتمكن من امتلاك سلطتها النافذة وحضورها المنتج والخلاق إذا لم تستند على نقطة ارتكاز أولية تتمثل في: قواعد سلوك مهني تعزز من استقلاليتها، وتكرس خطها المهني، وتقوي مصداقيتها، وتنأى بها عن إصدار الأحكام أو الاحتكام الى اعتبارات وتفضيلات أحادية في النشر، وعن التحيزات والنوازع الضيقة والانتفاعية والابتزازية و.. غير ذلك من المفردات التي وجدتني أستعيرها من "ميثاق شرف" داخلي أو بيان "قواعد سلوك مهنيلصحيفة "النداء" التي بادرت لضبط إيقاع عملها بمعايير مهنية وأخلاقية تتوسل الارتقاء بالذات من باب إصلاحها باضطراد وديناميكية تؤهلها لامتلاك الشروط والمبررات المقنعة والقوية للتصدي لدعوى الإصلاح الشامل في البلاد ومكافحة الفساد.. انه نداء "النداء"، وهو يقول بإن على الصحافة، وقبل أن تنبري لحمل راية الاصطلاح، أن تصلح نفسها من الداخل أولاً قبل أن تتنطح لإصلاح الخارج، وهو نداء أتمنى على "النداء" نشره لتطل علينا بوجه السبق الصحفي.
mansoorhaelMail