تجف شفايفه فيضحكون.. الخوف لا يصنع أمناً

تجف شفايفه فيضحكون.. الخوف لا يصنع أمناً

*نبيل الصوفي
«يضحكون حين يلاحظون جفاف شفايفه ويتركونه»، هذه جملة مما نقل إعلامياً على لسان محمد المقالح عن تعامل خاطفيه معه خلال 3 أشهر أبقوه فيها بثيابه التي خطف بها وعليها دمه الذي سال بسبب ضربه.. هم كانوا يقومون بكل ما يحتاجه تنفيذ حكم الإعدام، وحين تجف شفايفه استعداداً منه لتلقي طلقة الموت، يضحكون.. من المؤكد أن تلك الضحكات كانت رصاصاً أكثر وقعاً من رصاص البنادق.
ترى من هم هؤلاء الذين أقل ما يقال عنهم مجرمون أخطر من قطاع الطرق ومن عصابات الحوثي وخلايا القاعدة وعناصر العنف باسم الانفصال.
إنهم يمارسون ما يمارس كل هؤلاء، ولكن مع زيادة أنهم يعملون هذا بتمويل من المال العام ومؤسسات للتغطية القانونية. فها هي النيابة العامة تحقق مع ذات المواطن الذي أهين عبره وطن وقيم وحاضر وماضٍ ومستقبل.. تواصل التحقيق معه هو، وتعيده لسجانيه. ثم تتحدث عن القانون والقيم والوطنية.
القانون والقيم التي تقول إن لا خيار أخلاقي سوى إطلاق المقالح والتحقيق في ما حدث له منذ خطف من قبل عصابات تقول إنها تحافظ على الأمن.
وبعد ذلك سيكون لزاماً علينا جميعاً أن نحتشد وراء "هذا الوطن" لإحضار المقالح إلى قاعة المحكمة أو حتى ساحة الإعدام، المهم إلى ساحة العقوبة التي سيستحقها.
سادة الخوف باسم الأمن في جهازي الأمن السياسي والأمن القومي، هذه طرق لم تحقق لأي نظام أي أمن.. هذه ممارسات قبيحة، هي التي هدت أركان كل حكم وسلطة من بداية التاريخ وحتى الآن.
هذه قبائح وطنية لا تربون عبرها لليمن سوى مرضى نفوس معلولي الأخلاق من جنود وضباط لن تقدروا أنتم على ضبطهم بعد ذلك.
اللواء غالب القمش؛ لازال كثيرون يرون أنك منذ توليت جهاز الأمن السياسي خففت كثيراً من سطوته اللاأخلاقية.
اللواء علي الآنسي، حين أنشئ الأمن القومي قلتم إنه جهاز حديث، يعمل في سياق مختلف تماماً.. نعم سيكون خطابكم مختلفاً.. سيقول منكم إن المقالح كذاب لم يحصل له شيء، آخرون سيقولون هو يستاهل فالحوثيون يعملون بالناس وبالوطن أسوأ من كل ذلك.. آخرون قد يقولون هؤلاء جنود مرضى لم يؤمروا بذلك.. طبعاً من سيقول هذه الأخيرة أظنهم قليلين وقليلين جداً.
يمكن أن نزيد نحن، ليس المقالح إلا واحد من عشرات المواطنين الذين يتعرضون للإهانات بأشكال مختلفة بأدوات السطوة الجبارة التي يمتلكها في اليمن كثيرون.
لكن، واقرأوها من شخص لا يتفق مع كثير مما يقال عن النظام والسلطة والرئيس، وحتى الأمنين، بل وكل أجهزة الأمن والجيش، المقالح تكلم كلاماً سواء بالتلفونات أو عبر وسائل الإعلام.. وخطفتموه.
ومع كل الاعتذار لمحمد الإنسان، الصديق.. فلقد صمتنا طويلاً عن خطفه.. نعم صمتنا كصحفيين وحقوقيين.. وكنا نقول مع تأكدنا أن المقالح بريء من أي اتهام.. إن هذه آثار فتنة الحوثيين قاتلهم الله.
كنا نقول، إن المقالح سيوقف ككثير من المشائخ الذين يوقفون هنا أو هناك، ثم إننا كصحفيين نمر أصلاً بعاصفة لم تبق جهة ولا طرفاً.. ولسنا نعرف كيف نهايتها.
وانتظرنا.. وحين اعترف الرئيس بوجوده واشتكى من ملف يقول إنه لديه.. تطمنا أن المقالح "مجرد موقوف".. بل منا من قال: المقالح هو مندفع.. والكلام ليس عن علاقته بالحوثيين، بل عن أننا نتوقع أنه حتى قد يتصل بالحوثي نفسه ويقول له: شلوكم الجن لا تفعلوش كذا.. أو قولوا كذا..
ولعن الله الصمت.. كم هو قاتل.. كم هو سام.. كم هو خائن.
ففيما نحن صامتون، وأنتم الذين خطفتموه.. كنتم يومياً تستيقظون صباحاً وتذهبون للعمل.. تقيلون.. تحتفلون.. تضحكون.. وهو منسي هناك في قبو يتعرض لممارسات لا نتمنى أبداً أن ينالكم أي منها، فنحن نريد السير إلى الأمام لا إلى الخلف.. إلى التسامح لا إلى الثارات.
هو قال كلاماً.. نعم كلاماً.. لم تسجلوا عليه أي فعل. إلا أنه كان ساذجاً مثلنا كلنا المنشغلين بالكلام.. لا ندرك أنه حين لا تقدرون على إنجازات ضد أصحاب الأفعال، فإنكم تسعون لتحقيق انتصارات وهمية عبرنا نحن.
وهذا منطق التاريخ.. لقد دفع الكلام أثماناً باهظة لفشل كثيرين عن أي فعل، ولكن هذا الكلام هو الذي ظل يحقق النصر في النهاية.. وهو الذي يدفن كل يد اعتدت عليه.
يا سادتي، كافحونا نحن معاشر الصحفيين، ولكن بنظام.. قد معكم نيابة ومحكمة وكتاب وصحف.. فقللوا من الاعتداءات على خلفيات سياسية وبسبب الكلام ليس إلا.
إن كل يد تمتد على من لم يستخدم يده إلا للكتابة من موظفيكم، فأنتم تتحملون مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ. مهما تكن أخلاقكم الشخصية فالأهم منها الآن هو ما أنتم عليه مسؤولون، وليس كيف تضحكون لجيرانكم.
ماذا تقولون لمنتسبيكم الذين يمكنهم عبر القانون أن يحققوا لهم ولكم ولنا جميعاً الأمن كل الأمن.. والاستقرار كل الاستقرار.
حدثوهم عن المسؤولية الوطنية.. اقرأوا معهم تاريخ المخابرات العربية من مصرية إلى عراقية (ولعلنا نقرأ قريباً التجربة السعودية).. اقرأوا كيف انتصرت الأوطان لأبنائها واقتصت من ممارسي العنف باسم الوطنية.
العدالة مجرد كومة قش، حين تشعل السلطات النار في طرف صغير فيها تحترق كلها ومعها تحرق السلطات والأوطان. ويصبح الجميع رمادا..
لسنا مع مثيري العنف.. لكن كيف نقبل بمن يمارسه إذن.
لسنا مع الحوثيين، وعصاباتهم.
القاعدة مجرد بارود يشعل العالم بنا وبأوطاننا.
الانفصاليون مأزومون، ومن يمارس العنف باسم النضال السياسي ليس أقل ولا أكثر من مجرم.
حتى المعارضة السياسية، فهي تصيب هنا وتخطئ هناك.. وعلى خطابها عشرات الملاحظات قالها المخطوف نفسه مرات ومرات..
سموه.. لكي تتوقف الجرائم باسم الوطن.. هذا المغلوب على أمره الذي لطالما أن لأبنائه واستبشر كلما جاءت سلطة أقل عنفا.. فيصدمه أنها لا تنتهي إلا وقد صارت كمن قامت على أنقاضهم.
ومنا من سيراني أخفي السبب الرئيسي.. فمنا من سيراكم أنتم لا موظفيكم السبب. ومنا من سيقول بل الرئيس هو المسؤول.
نعم هي السلطة إذا لم يحم استقرارها تقود الوطن للمجهول.. وكرسي الحكم تحكم من يجلس عليها كما يحكم بها.. ولكن حين يصل الحال لتعذيب أصحاب الرأي مادياً، فإن السلطة حينها هي من تقود الفوضى ضد نفسها وضد الأوطان.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.