ربما هي ذكرى هواء تمرّ الآن في رئته

ربما هي ذكرى هواء تمرّ الآن في رئته - وديع سعادة

يد أخرى
الذي كانت له يد بقبضة وأصابع
وتريد أن تلتقط كل الأشياء
له يد أخرى الآن
ترفع مزهوة
قبضة فراغها.
عين أخرى
بالثقوب التي انبثقت من تيهه
يرى،
عينُه الآن ثقب تيه
وأفلاك تدور في إغماضتها.
لم يكن يريد من عينه سوى
إغماضة
رموشها دروب للعابرين
وإذا انزلق أحد
يسقط في حَدَقته.
عين تحفظ أحياءه وأمواته
وهي مغمضة،
وإن هي في الماضي أرادت رؤية الكون فعلى جفنها اليوم
غبار كل الأكوان
غبار أمكنة وأزمنة وقد غدت
نقطة
على جفنه.
فقط غبار
ولم يكن يريد سوى هذه النقطة
في عينه المغمضة.
كائنات أخرى
من نسميه العابر تولد كائنات
نسيمية لا مكان لها
ولها الأحجام والأشكال كلّها كي
تكون لها كل الأمكنة.
الفضاء الذي روّض نفسه بالفراغ
خلق طيوره،
والأرض التي حدّقت طويلاً في يبابها حتى خلقت أشجارها
تؤوي طيور فضائه
ريشاً لا يُرى
وأجنحة لا تحتاج الى هواء.
أرض جديدة تدور في قلبه
وفي نسيمه عابرون جدد
لا تعرفهم دروب الرياح القديمة،
عابرون بلا شكل ولا ظل
وإن أرادوا إقامة
في نفسه ثقوب
تكفي
لسكناهم النحيلة.
لثغ على الحافة
الآن
يبدأ لثغه،
تأتأة خارج الكلمات
والغابة التي ينظر إليها ويريد أن يقول لها شيئاً
تلملم أشجارها وتنأى
عن ذكرى ناسها الأوّلين
وحيواناتها الأولى.
يتأتئ مقاطع لغة ومقاطع مسافات
ويستعين بالفراغ الذي حواليه كي يتكئ عليه
وبالعصا التي قصّبها في نومه
كي يمشي.
لثغ على الحافة
نقطة نحيلة فقط
كي يعبر
أو يسقط.
ويريد
أن يضع لغة على الحافة
أن يضع أُذُناً
في النقطة.
تقريباً
تقريباً
اتّكأ
على نسمة
وأسبل باله على زمن هوائي
مديد.
تقريباً
اتّكأ على خيال
يحوك قمصاناً للفراغ حتى إذا
امتلأ لا يبرد.
تقريباً على وشك
أن يقول شيئاً
على وشك أن ينظر الى شي.
تقريباً
على وشك أن يهاجر البال والخيال
ويتّكئ
على عماه.
ذكرى هواء
لا يعرف من أين
في غياب الهواء
يأتي لهاثه،
ربما هي ذكرى هواء
تمرّ الآن في رئته.
الذكرى تمرّ في الرئة أيضاً
واللهاث أحياناً ليس هواء
بل ذكرى
والداخلون والخارجون مع لهاثه ليسوا أهله ولا
مقيمين بل زوّار عابرون
ولا يُقيم في لهاثه بل
في عبورهم.
لا يعرف من أين يأتي لهاثه ولا أين يقيم
الهواء عَبَرهُ
وهو
عَبَرَ المقيمين فيه.
الرحلة
إليه فوراً
بلا نقلة ولا رفّة
كأنه ألغى التراب والشجرة والفضاء
يظن أنه فيه
إن تحرّك سيضيع
إن خطا
لن يصل.
لغته
لغته ذكرى لهاث
محميّ
في صمته.
اللغة
لا المنادي ينادي ولا المنادَى يصغي إنها الريح
تتحدّث مع عبورها
ويرمي كلاماً في الريح
لا كي يقول شيئاً بل
كي تتفكّك مفاصل الكلمات
وتندثر.
اللغة هي نثارها
الكلام هو
تبدّد الصوت.
في اندثار الأحرف
في الريح
اللغة.
ضوء آخر
على الجبل العالي أغمض عينيه
لا يريد ضوءاً قديماً مشى آلاف السنين كي يصل إليه
أغمض عينيه واندحر
الى الوادي
حيث الغور لا يكتسب ضوء من الشمس بل
من تحديق حجر في حجر
قال
قال سيعيد تركيب حياته كي تُشبه النسيم
وتتناسب مع الأشكال والأحجام كلها،
رمى أعضاء وأفكاراً وأهلاً وأمكنة
رمى جسداً وقمصاناً
كرّ خيطان نفسه وبكّل حياته
بزرّ ريح
ودخل ثقوباً
دخل ظلاماً
وما عاد رأى كيف يعيد
حياكة نفسه.