محمدحيدرة مسدوس ل «النداء»(2-3): علاقتي بالرئيس علي عبدالله صالح كانت جيدة لأنني بعد إعلان الوحدة كنت أرفض استعداءه

* صالح السيلي زودنا بأجهزة لكشف التنصت على اتصالاتنا، والبيض كشف للمكتب السياسي عملية تنصت على اجتماعاتنا
* عرض الرئيس عليَّ عضوية اللجنة العامة فقلت له إذا بقي شخص واحد في الاشتراكي فسيكون مسدوس
* تيار إصلاح مسار الوحدة ذاب في الحراك، وحسن باعوم صاحب خبرة ميدانية ويشبه علي سالم البيض!
في الجزء الثاني من هذا الحوار المطول يتطرق محمد حيدرة مسدوس إلى علاقتة بالرئيس علي عبدالله صالح، وتصوره لمستقبل العلاقة بين مكونات الحراك الجنوبي واللقاء المشترك والأدوار التي يقوم بها من أجل توحيد مكونات الحراك.
 ولأسباب فنية تم تقسيم هذا الجزء إلى جزئين بحيث ينشر الجزء الثالث والاخير الاسبوع المقبل.
 
* حوار سامي غالب
 
> لنعد مجدداً إلى وثيقة اللقاء المشترك (رؤية الإنقاذ)، أنت لم يصدر عنك قبل هذا الحوار موقف من هذه الرؤية والدعوة التي وجهها المشترك للحوار حولها. على أنني أود سؤالك ما إذا كنت قدمت نصحاً لمكونات الحراك بشأن الموقف الذي يتوجب اتخاذه حيال الوثيقة ودعوة الحوار؟
- نعم. بعد إعلان الوثيقة تسرع شخص أو شخصان وأصدرا بيانات ضد الوثيقة، وقد نصحتهم ألا يكونوا مع الوثيقة ولا ضدها، لأنهم إذا أيدوا الوثيقة ستكون وثيقتهم، وهي لا تحمل حلاً للقضية الجنوبية.
> هي تتضمن مقترحات حل؟
- والأكثر من هذا إذا ما فشلت الوثيقة وهم معها تسقط شرعية قضيتهم.
> هذه نقطة غامضة، كيف ستسقط شرعية قضيتهم؟
- إذا أصبحت وثيقتهم وفشلت.
> يعني إذا لم تتجسد واقعاً، ولم يستجب لدعوة الحوار الوطني؟
- أما إذا وقفوا ضدها فإنهم سيظهرون وكأنهم واقفون في صف النظام وسيقوون شوكته.
> السلطة من اللحظة الأولى أعلنت رفضها المطلق للوثيقة؟
- ولذلك نصحتهم ألا يقفوا معها وألا يقفوا ضدها.
> في انتظار ماذا؟
- إذا ما استطاع أصحاب الوثيقة إقناع السلطة بقبولها، أو يفرضوها عليه بالعصيان المدني، حينها يمكن للحراك أن يبدي رأيه فيها. هذا ما نصحتهم به، وهم استجابوا تقريباً.
> بالنسبة لقيادات الخارج، وحسبما أسمع وأتابع، تصدر عن بعضها مواقف قريبة من مواقف المشترك. وعقب ما حدث في زنجبار من صدامات في 23 يوليو 2009، طلع بيان لعلي ناصر وحيدر العطاس يحمل مضامين مشابهة لما يصدر عن المشترك، سواءً في الوثيقة أو من شروط يضعها المشترك على السلطة لاستئناف الحوار. وفي المحصلة هناك مؤشرات قوية على تفاهم بين لجنة الحوار الوطني وقيادات في الخارج، وتتم ترتيبات حالياً للقاء في الخارج يضم المشترك وعلي ناصر محمد وحيدر العطاس وآخرين؟
- على حد علمي يوجد اتصالات بين الأخوين علي ناصر والعطاس من جهة واللقاء المشترك، وبالذات (الشيخ) حميد (الأحمر) من جهة ثانية. الاتصالات كلها تستهدف البحث عن حلول لمشكلات البلد، لكن الإخوان في اللقاء المشترك ولجنة الحوار أخرجوا الوثيقة (رؤية الإنقاذ) برؤيتهم، لكن رؤية علي ناصر والعطاس ليست موجودة.
> لا أتفق معك في هذا، العطاس على سبيل المثال، قبل عام، وفي حوار أجريته معه، كان يقول بأن الفدرالية على أساس إقليمين، شمالي وجنوبي، قد تكون مخرجاً.
- مع ذلك المشترك ولجنة الحوار لم يتبنيا هذه الفكرة.
> حسب معلوماتي فإن المشترك (ولجنة الحوار) وضعوا الفدرالية كخيار للحوار، ولكنهم لم يتبنوه، وكان هناك نص أولي قبل الإعلان النهائي للوثيقة، يقول بالفدرالية على أساس تقسيم اليمن إلى وحدات تتراوح بين 2 إلى 5 أقاليم (أو ولايات). في نهاية المطاف فإن هناك اقتراباً من رؤية العطاس ومحاولة لاستيعاب مطالب الحراك؟
- في تقديري أن البدائل التي وضعوها لم تحدد قناعتهم بالضبط.
> لعلهم يريدون تجنب أزمة داخلية في ما بينهم، ولذلك تركوا الأمور معلقة.
- كما تحدثنا قبل قليل فإن على أحزاب المشترك أن يحددوا هويتهم، وإذا تحقق ذلك فإنهم سيتمكنون من التعاطي بشكل واضح مع مختلف الأطراف، ما لم فإن القضية الجنوبية ستكون بين السلطة والجنوبيين، ومشكلة صعدة ستكون بين السلطة والحوثيين، ويخرج المشترك نهائياً.
> يتحول إلى معلق أو مراقب يبدي رأياً في التطورات. من ناحية إجرائية ومنطقية أيضاً، لا تستطيع كحركة سياسية، وفي اللحظة الراهنة في اليمن، أن تقول أنا أريد إما فدرالية وإما حكماً محلياً وإما نظاماً مركزياً، إما أن تطلب فدرالية أو تطلب حكماً محلياً. ويبدو أن الخلافات داخل المشترك حول الفدرالية، وبالذات على أساس إقليمين، مثلت عائقاً، ولذلك تجاوزوا الخلاف حول هذه النقطة وتركوا الأمور معلقة.
- إذا أرادوا أن يتجنبوا هذا المأزق كان يتوجب عليهم أن يجلسوا أولاً مع الأطراف الجنوبية في الداخل والخارج، ويأخذوا وجهة نظرهم، ويجلسوا مع الحوثيين ويأخذوا وجهة نظرهم، وبعد ذلك يقدموا رؤية تستوعب وجهات نظر الأطراف المعنية بالمشكلات. لكنهم يقدمون أنفسهم الآن كوسيط يحاول إرضاء هذا الطرف أو ذاك الطرف.
> لننتقل إلى موقعك أنت من هذا الذي يجري في الجنوب، الحراك جاء من مقدمات ورؤى كانت مطروحة منذ أكثر من عقد، بالذات من تيار "إصلاح مسار الوحدة"، وأنت أحد أقطاب هذا التيار. كصحفي أتابع مجريات الحراك منذ البداية وحتى الآن، لا أراك ظاهراً في واجهة المشهد الجنوبي؟
- كل التيارات الجنوبية ذابت في الحراك؛ تيار إصلاح مسار الوحدة ذاب فيه، وحركة تاج ذابت في الحراك.
> ربما بالنسبة لتيار إصلاح مسار الوحدة، لكن بالنسبة لتاج فإنها ما تزال تصدر بيانات بشكل منفرد، وأحياناً توجه نقداً حاداً لمكونات أخرى
وشخصيات جنوبية؟
- هذا كله بسبب الفراغ القيادي الذي تحدثنا عنه، لكن كل هذا سينتهي عندما يتبلور إطار سياسي واحد وقيادة واحدة وخطاب سياسي واحد وشعار واحد. من الطبيعي أن يحصل هذا كله لأن الشارع انفجر وسبق الوعاء السياسي.
> لأن الحراك بدأ كحركة احتجاجية شعبية من الشارع؟
- نعم، وهذه الهيئات التي طلعت جميعها يبحث عن حامل سياسي لهذا الحراك.
> وبالنسبة لك، أين موقعك؟
- كتيار أم كشخص؟
> كشخص؟
- كشخص لدي ظروفي الصحية، فلدي بداية تضخم في القلب، وطبعاً تقدمت في السن. لكنني أسعى مع غيري لتحقيق هدف وحدة الحراك في إطار سياسي واحد وقيادة موحدة وشعار سياسي واحد ورؤية موحدة.
> يعني باختصار أنت تقوم بتأثير روحي، وتلعب دوراً في سبيل تحقيق وحدة الحراك؟
- نعم، لأن الواحد عندما يكون في هيئة صعب يتوافر على لغة مشتركة مع هيئة أخرى.
> هذا المسعى لبلورة قيادة موحدة بدأ، على ما أظن، في لقاء العسكرية (أكتوبر 2008)، وأنت شاركت في هذا اللقاء؟
- أنا من دعوت إلى اللقاء في العسكرية. كان الناس مشحونين، ولاحظت أن أمر بلورة قيادة موحدة ما يزال غير ممكن وسابقاً لأوانه، فاتفقنا على بعض القضايا العامة، وتركنا الأمر حتى تتفرغ الشحنات.
> ومع ذلك أعلن يومها تشكيل لجنة برئاسة حسن باعوم.
- (ضاحكاً) بعد اللقاء مباشرة.
> أكان متفقاً على هذا في اللقاء؟
- لا. لم يكن متفقاً عليه.
> كيف فسرت هذا الإعلان؟
- شحنة اندفاعية، وليس من مصلحة الحراك أو القضية خلق مشكلة بسببه. شباب عندهم اندفاع، وهم في حاجة إلى وقت وشيء من الخبرة. الاندفاعية لا يمكن مواجهتها بالكبح، بل دعها تأخذ مداها، وسيأتي العقل لاحقاً.
> لكن هؤلاء ليسوا شباباً، فحسن باعوم هو من مجايليك ورفيقك منذ زمن طويل؟
- حسن باعوم مناضل ورجل صلب وصاحب أدوار كبيرة، ومن مؤسسي تيار إصلاح مسار الوحدة. هو دائماً يتمتع بروح الشباب وروح الاندفاع، طبعاً لديه خبرة طويلة، وكان من فدائيي الجبهة القومية، وهو طيب وصادق ومافيش عنده دبلوماسية، وهو رجل ممتاز ميدانياً.
> هل أصابك إحباط بعد لقاء العسكرية؟
- نعم، وقد أحسست بأننا في حاجة إلى وقت قبل أن تتبلور صيغة قيادية موحدة. هذا الوقت قد يكون غير مرغوب، لكنه أمر واقع. الآن يوجد إجماع على التوحيد، وهناك ضغط من أسفل على المكونات.
> يوجد ضغط، ولكن أيضاً هناك مؤشرات على تشرذم. أمس وأول أمس تابعت مضامين الكلمات والبيانات الصادر عن مختلف الأطراف والمكونات والقيادات، ولاحظت أن الأمور تسوء. وما كان يجري الحديث عنه من خلافات بشكل هادئ ولغة ديبلوماسية يجري التعبير عنه راهناً بطريقة حادة وإقصائية. ناصر النوبة قال أول أمس في ردفان
إنه ضد تجيير القضية الجنوبية لصالح الإرهاب أو حسابات إقليمية، لكأنه كان يشير إلى طارق الفضلي وعلي سالم البيض؟
- أحياناً في شبكة الانترنت يتم تحريف الأقوال، وتحدث تسريبات أمنية.
> صحيح، ولكن ما أقوله الآن أنا متأكد منه.
- بالتأكيد تحصل تسريبات أمنية لإحداث الفرقة بين الناس، وأحياناً تحصل انفعالات، وفي المطاف الأخير سيسير الناس في طريق واحد بشكل حتمي.
> تتحدث عن حتميات؟
- أتحدث عن أشياء أعرف أنها ستتحقق.
> أشرت إلى أن تيار إصلاح مسار الوحدة ذاب في الحراك. أتريد أن تقول إنه لا يوجد قرب نفسي أو ذهني بينك وبين حسن باعوم أو عبدالرحمن الوالي أو غيرهما؟ ألا تمثلون كتلة داخل هذا البحر الجنوبي الهائج؟
- هذا كان زمان في الثقافة الاشتراكية والثقافة القومية العربية. لا. الآن الواقع مختلف، وقد تعلمنا كثيراً من الماضي. التيار ذاب في الحراك، وأنا متأكد تماماً أن كل التيارات الجنوبية ذابت في الحراك بما في ذلك فروع الأحزاب.
 لنناقش هاجس الدمج القسري، كنتُ كتبتُ ناقداً أصحاب هذا الهاجس الذين يستدعون تجربة الدمج القسري بين الجبهتين القومية والتحرير، لافتاً إلى غياب فاعل إقليمي يؤدي الدور المصري الذي كانت كلمته نافذة على الجبهتين، علاوة على أن الجبهتين القومية والتحرير وكذلك الرابطة نشأت جميعها على أساس "وطني جنوبي"، في حين أن مكونات الحراك أقرب إلى أن تكون محلية. ومع ذلك هناك اتهامات لمجلس قيادة الثورة بأنه يريد احتكار التمثيل. وبعد إنشاء هذا المجلس بأسابيع ظهر أنه أثار حساسيات لدى أطراف أخرى تشعر بأنها عرضة للتهميش وربما الابتلاع.
- الوضع مختلف فعلاً. في السابق كان السائد هو الرأي الواحد. اليوم أصبحت الديمقراطية أرضية خصبة للسياسة في مختلف أنحاء العالم. هذا عصر الديمقراطية وليس عصر الإرادوية. يمكن يختلف الناس في الآراء، والتطورات هي من ستقول من هو صح ومن هو خطأ.
> وماذا نقول عن هذه اللغة الاتهامية للنوبة وآخرين، وفي المقابل فإن مجلس قيادة الثورة السلمية يقدم نفسه كممثل شرعي ووحيد، وكذلك يفعل علي سالم البيض؟
ناك من يرى أن الظروف الراهنة تتطلب الالتفاف حول قيادة واحدة هي قيادة علي سالم البيض باعتباره حامل الشرعية، وهو من وقع اتفاقية الوحدة، وهو من كان طرفاً خلال الأزمة والحرب، وهو من أعلن فك الارتباط في 21 مايو 1994، وهذه ورقة لابد من الاستفادة منها. ويوجد آخرون يرون أنه لابد من التعود على التعددية من الآن. وتوجد أيضاً (النزعات) الذاتية، وهذه ينبغي أن تتفهمها. البعض يفكر بشكل ذاتي، ويتساءل من الآن: وأنا أين موقعي؟
> تقصد من القيادات القديمة أم الجديدة؟
- الجديدة. القيادات القديمة هذا ليس وارداً عندهم.
> ألا تتوقع أن يحصل انقسام بينهم؟
- لا. لا.
> ولا أن يحصل تسابق بسبب صلات إقليمية. لعلك قرأت ما قاله البيض لجريدة "الأخبار" البيروتية عندما امتدح إيران وانتقد ضمناً السعودية وبلدان الخليج؟
 قرأت ما قاله. لكن القيادات الجنوبية علمتهم التجارب القديمة أن الخلاف فيه ضرر كبير. الشباب يمكن أن يحصل عندهم هذا، على أن الديمقراطية هي ضمان للتفاهم، وعلينا أن نتفهم النزعة الذاتية لدى بعض الشباب، ونستوعب طموحاتهم، ومتى حُلت المشكلة فإن الوطن سيتسع للجميع.
> أي وطن تقصد: الوطن الجنوبي أم الوطن اليمني؟
- (ضاحكاً) الوطن اليمني كله إذا ربنا سيهدي السلطة وسيهدي المعارضة إلى تفهم القضية الجنوبية. الشيء الأكيد أنه لا يمكن أن تقوم خلافات تصادمية بين هذه الأطراف والمكونات.
> ما أسمعه يشير إلى إمكانية حدوث ارتطامات وصدامات، حتى في ما بين القيادات التاريخية، وعلى سبيل المثال فإن اللقاء المزمع عقده في الخارج بين
معارضة الداخل والخارج، قد يستثنى منه البيض بسبب رغبة بعض الأطراف.
- بالنسبة لمن يوصف بـ"الحرس القديم"، نحن متفقون مبدئياً أنه "إذا لم نتفق لن نختلف"، وهذا مبدأ جميعنا يلتزمه.
> ربما أنت تلتزم به، لكن غيرك لا.
- لا،لا. أنا واثق من هذا.
> أين تصنف حسن باعوم، هو من الحرس القديم؟
- (باسماً) هو طبعاً من الحرس القديم.
> ومع ذلك تصدر عنه تعبيرات حادة ضد قيادات من الحرس القديم، وكنا نشرنا في "النداء" في أبريل الماضي، حواراً معه هاجم فيه قيادات الخارج بقسوة، واتهمهم بالتخلي عن القضية الجنوبية طيلة 15 عاماً، والآن ظهروا ليركبوا موجة الاحتجاجات. ما أقصده أن أفراد الحرس القديم متفاوتون في التزام هذا المبدأ؟
- بعض الإخوان قد يقول شيئاً ولا يقصده.
> ربما بغرض توجيه العتاب.
- صح.
> جميل حرصك على التخفيف من حدة ما يقوله باعوم.
- أنا أعرف باعوم، ويجمعه قاسم مشترك بعلي سالم البيض. إن وثق يسلم نفسه، وإن شك لا يعود يصدق أحداً.
> لنأخذ الخلفية الثقافية والاجتماعية للحراك وناشطيه. نحن في "النداء" نتابع الحراك منذ وقت مبكر، وحينها كان التجانس بادياً بين ناشطيه، خصوصاً مع انطلاق حركة الاحتجاجات، لكن رويداً رويداً بدت هذه الميزة تتلاشى مع دخول فئات أخرى بينها من يتم وصفهم بالسلاطين، وهناك مدنيون وريفيون، ويلاحظ تفاوت في القيم المدنية والسياسية لهؤلاء؟
- من الطبيعي أن يدخل أبناء السلاطين، ونحن نرحب بهم.
> هل التقيت بعضهم؟
- نعم. التقيت طارق الفضلي، والتقيت فيصل جعبل، والتقيت عدداً آخر، ومستعدون للالتقاء بغيرهم، لا مشكلة في هذا. القضية الآن قضية وطنية. وسبق أن قلت في الصحافة إن حرب 1994 جعلت القضية الجنوبية قضية جنوبية تخص كل الجنوبيين من السلاطين إلى المساكين. وهذا حاصل في الواقع، الحراك فيه أبناء السلاطين، وفيه أبناء الكادحين. التناقضات الاجتماعية لن يكون لها فاعلية في الواقع إلا بعد حل القضية الجنوبية.
> أحياناً تظهر مبكراً، كما حدث قبل الاستقلال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير والرابطة؟
- لا، مش ممكن.
> أتحدث عن تجانس قيمي وطبقي اجتماعي. النوبة على سبيل المثال حذر أول من أمس (الثلاثاء، 13 أكتوبر) وكذلك في بيان له قبل نحو شهرين، من محاولة اختراق الحراك، لافتاً إلى الإرهاب، وكذا من مخططات إقليمية، وينبه إلى مخاطر الدمج القسري، ويرفض علانية الربط بين مشكلة صعدة والقضية الجنوبية. كصحفي أقرأ في ما يقوله أنه يقصد طارق الفضلي، وينتقد مجلس قيادة الثورة السلمية، ويشير إلى البيض في ما يخص الأبعاد الإقليمية؟
- بعض هذه النقاط التي تشير إليها صحيحة نظرياً، لكن من الناحية العملية غير ممكنة، وبعضها قد لا يكون دقيقاً من الأساس. مثلاً الربط بين القضية الجنوبية وصعدة غير قائم.
> يظهر شكل من التنسيق بين علي سالم البيض والحوثيين، أقله تنسيق سياسي وإعلامي، سواء ما يصدر عن البيض من بيانات ومواقف ونداءات أو من خلال المواقع المقربة من البيض، والمكرسة تماماً لترويج وجهة نظر الحوثي مما يجري في صعدة.
- هذا ليس ربطاً بين القضيتين. الربط يعني أن القضيتين هما قضية واحدة. مسألة التعاطف موجودة. أنا أشعر أن البيض والإخوان في الخارج، وحتى في الداخل، متعاطفون مع الحوثي من زاوية احترام المذهب الزيدي وتاريخ الزيدية. ليس من مصلحة البلد استهداف هذا المذهب الذي هو من نسيج المجتمع، وهم من جانبهم يشعرون أننا مظلومون، فيتعاطفون معنا، وهذا واجبهم.
> فضلاً على الوشائج القديمة بين علي سالم البيض وحسين بدر الدين الحوثي، فمعروف أن علاقة قامت بين الاشتراكي وحزب الحق قبل حرب 1994.
- هذا صحيح، ولكن كيف قامت هذه العلاقة؟ عندما أعلنا الوحدة نصح الرئيس علي عبدالله صالح جار الله عمر بأن يربط الاشتراكي بعلاقة مع حزب الحق. وجار الله عمر قبل هذه النصيحة.
> ألم تكن العلاقة مخططة أصلاً من الاشتراكي؟
- لا. الرئيس هو من نصح بذلك.
> حزب الحق تأسس لاحقاً على بيان لعلماء الزيدية يؤيد الوحدة ضداً على بيان من علماء محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، أليس لهذا البيان أيضاً صلة بتطور العلاقة؟
- أعتقد أن الرئيس نصح الاشتراكي بعلاقة طيبة مع حزب الحق حتى لا يقفوا ضد الوحدة. وما أنا متأكد منه أن العلاقة نشأت بناء على نصيحة من الرئيس.
> القرار كان قراراً من قيادة الحزب وليس قرار جار الله عمر؟
- لم نناقش هذا الأمر في الهيئات. لكن من البديهي أن يكون جار الله عمر تشاور بشأنه مع البيض.
> وبحسب معلوماتي فإن الاشتراكي قدم دعماً لحزب الحق، تماماً كما فعل مع أحزاب ورجال قبائل في الشمال؟
- ربما، لكني لست على علم بذلك.
> وعلى أية حال فإن علاقة قديمة وجدت بين البيض والحوثيين الذين كانوا حينها في حزب الحق، بل إن بدر الدين الحوثي تم قصف منزله في صعدة، وغادر لاحقاً بعد حرب 1994 إلى إيران؟
- ما أعرفه أن حسين كان في حزب الحق ثم التحق بالمؤتمر الشعبي.
> حسين لم ينضم إلى المؤتمر الشعبي بل أسقط في انتخابات 1997. يحيى بدر الدين هو الذي فاز كمستقل في انتخابات 2003، ثم انضم إلى كتلة المؤتمر في البرلمان. وعلى أية حال فإننا لن نذهب بعيداً نحو تفسيرات بدائية كالقول بأن الحوثيين والبيض والعطاس عدنانيون، ومن هنا تطورت العلاقة بينهم؟
- (ضاحكاً) هذه مش موجودة عندنا.
> أعرف، ولكن وسائل إعلام المؤتمر والإصلاح في المرحلة الانتقالية وبعد حرب 1994، كانت تلمح إلى هذا وهي تتحدث عن تحالف اشتراكي -ملكي. وعلى أية حال تعلم أن القضية الجنوبية تحظى بتعاطف وتأييد ليس في الجنوب فحسب، بل في المحافظات الشمالية، وكذا في المحيط العربي، وكذا من قبل منظمات حقوقية وإنسانية في المجتمع الدولي، وأحياناً يصدر خطاب عن بعض مكونات الحراك أو ناشطيه أو وسائله الإعلامية مصبوغ بالعدائية والحدة، ما مدى ملاءمة هذا الخطاب لقضية عادلة؟
- مثلما قلت في الجزء الأول فإن انفجار الشارع في الجنوب، والذي أخذ لاحقاً اسم الحراك، وفي نفس الوقت غياب حامل سياسي يحصل مثل هذا. والأمر الآخر فإن بعض ما يصدر في هذا الخطاب هو رد فعل على فظاعة العبث الذي تمارسه السلطة في الجنوب.
> ومع ذلك يبدو لي أن بعض هذا الخطاب يصدر عن سابق تخطيط، ولغرض تصفية حسابات مع فترة حكم الحزب الاشتراكي بعد الاستقلال، كما تصدر أحياناً تعبيرات عدائية، وأحياناً مسفة، تجاه أبناء الشمال.
- أحياناً يحدث هذا لأن الطرف الآخر سواء كان سلطة أو معارضة (في الشمال)، لا يعترف أساساً بالوحدة. عندما يقولون وحدة وطنية، وعندما يقولون اليمن الواحد، وعندما يقولون الثورة الواحدة، هذه الواحدية المكرسة في ذهن السلطة وبعض أطراف المعارضة في الشمال، هي إنكار للوحدة، لأن الوحدة لا يمكن موضوعياً ومنطقياً أن تكون وحدة الواحد.
> أذكرك هنا بما كان يقوله البردوني حول هذه النقطة. كان يقول إذا كانت الوحدة هي وحدة الواحد فهذا يعني أنه لم تقم وحدة، فالوحدة تقوم بين اثنين أو أكثر.
- صحيح تماما، هم ينطقون بكلمة وحدة، لكنهم يقولون لا يوجد جنوب. عندما يقول الإخوة في صنعاء هكذا فماذا تتوقع أن تكون ردة الفعل في الجنوب.
> هذا مفهوم. لكن خلاف موقفك وآرائك المتسقة، وأنا أتابعك منذ أكثر من عقد، والمتماسكة بصرف النظر عن موقفي منها، في حين يتم الآن محاولة لاصطناع هوية جديدة باسم الجنوب العربي، ويتم نفي الهوية اليمنية كليةً عن الشعب في الجنوب، أو حتى الدولة المستقلة التي نشأت عام 1967. وما أقصده أن هناك نوعاً من الارتجال والعشوائية في التعاطي مع هذه المسائل دون بحث أو تدقيق، كما أن هناك بالتأكيد مقاصد سياسية وراء هذا.
- لو عدنا إلى الماضي قليلاً. قبل الاحتلال البريطاني كان الجنوب سلطنات، كل سلطنة تنسب إلى السلطان. وعندما جاءت بريطانيا لم تأخذ الجنوب من يد الأتراك ولا من يد صنعاء، وإنما من يد السلاطين.
> لأنه كان هناك كيانات محلية قائمة؟
- أخذت الجنوب من يد السلاطين، وكانت السلطنات كيانات محلية، ولكن بمثابة دويلات، وهذا كان قبل ظهور اليمن السياسي الذي لم يظهر إلا في عام 1917. أما اليمن الجغرافي فكان موجوداً طبعاً، واليمن هو اتجاه جغرافي مثل الشام.
> هذا نقاش موضعه في التاريخ، لكن ما أعرفه أن اليمن كان يمناً على الدوام. أنا اطلعت على التقسيم التركي لليمن خلال الاحتلالين الأول والثاني. بالنسبة للاحتلال الأول كان لحضرموت وضع خاص خارج ولاية اليمن. عدا حضرموت كانت كل المناطق تدخل في نطاق ولاية اليمن. وفي الاحتلال التركي الثاني في القرن ال19 كانت ولاية اليمن هي ما تسميه أنت اليمن السياسي، أي مملكة الإمام يحيى بن حميد الدين التي ورثتها الجمهورية العربية اليمنية في سبتمبر 1962.
- لكن في ذلك الوقت لم تكن هناك دول عربية. كما أن عدد البشر قليل، وبالتأكيد زاد هذا العدد واحتاجوا لأكثر من دولة. ومفهوم الدولة اليمنية لم يظهر إلا في 1917.
> في التاريخ يمكن لمن يريد أن يذهب إلى ما يعزِّز موقفه سواء كان مع اليمن كهوية أو ضدها. ورغم ذلك فإنه مع قيام الدولة الوطنية في الشمال والدولة الوطنية في الجنوب كانت مسألة الهوية اليمنية محسومة وليست مثار خلاف.
- لنعد إلى النقطة الأصلية. كانت هناك سلطنات، وعندما جاء الإنجليز بدأوا يفكرون في وحدة هذه السلطنات، وما كان يمكن أن يوحدوها تحت أسماء هذه السلطنات مجتمعة، بل جمعوها كلها وأسموها "اتحاد الجنوب العربي"، وظلت هذه التسمية موجودة إلى يوم الاستقلال في 30 نوفمبر 1967. قبل الاستقلال كان يوجد مشروعان: مشروع الجنوب العربي، ومشروع الجنوب اليمني. الثورة (ضد الاحتلال البريطاني) تبنت مشروع الجنوب اليمني، والإنجليز والسلاطين تبنوا المشروع الآخر. وسقط هذا المشروع مع سقوط الإنجليز والسلاطين، ونشأت دولة اليمن الجنوبية الشعبية. ولحظتها صار اليمن يمنين: يمناً شمالياً تعترف به عدن والمجتمع الدولي، ويمناً جنوبياً تعترف به صنعاء والمجتمع الدولي. الحديث الآن عن يمن واحد هو نفي للحقيقة والواقع.
> هذا صحيح، إذا كان المقصود يمناً واحداً في كيان سياسي، لكن في ما يخص الهوية المسألة تتطلب تدقيقاً.
- من الناحية الجغرافية الجنوب يمني ولكن في المفهوم السياسي كان قبل الثورة "جنوب عربي" وبعدها "جنوب يمني". وهذا يعني أن اليمن يمنان باعتراف صنعاء والعالم. إذا صنعاء الآن تريد أن تتنكر لليمنين فهي عملياً تثبت هوية الجنوب العربي.
> تقصد تحفزها؟
- نعم. المسألة طبيعية، أنا شخصياً إذا لم تعترف صنعاء بأن اليمن يمنان لا يعود أمامي إلا الجنوب العربي.
> وكيف تعرّف نفسك في اللحظة الراهنة: يمني، يمني جنوبي، جنوبي عربي؟
- أنا جئت إلى صنعاء كيمني جنوبي. كنا يمنين. حصلت الحرب وما تلاها، ومن الصعب أن نرى القضية بوضوح ونُمسك بحلها إلا إذا اعترفنا بأن اليمن يمنان وليس يمناً واحداً. إذا نظرنا إلى القضية من زاوية اليمن الواحد لا يمكن أن نرى القضية الجنوبية، ولا يمكن أن نرى الحل لها. وسيكون باختصار ما يقوله الحراك وما نقوله نحن خطأ وليس له معنى. وإذا انطلقنا من أن اليمن يمنان يكون ما تقوله السلطة وما تقوله المعارضة خطأ وليس له معنى. نحسم هذه القضية وهنا نكون قد قطعنا نصف الطريق إلى الحل.
> كنت أتابع ما يصدر عنك أو ما يصدر عن تيار إصلاح مسار الوحدة أو حتى عن مثقفين. كنتم تتحدثون عن شعب يمني، ولكن هذا الشعب عرضة للخطر بسبب هذه الواحدية التي يتم تسويقها. لم يتضمن خطابكم نفياً للهوية في المفهوم السيسيولوجي (الاجتماعي)، بل نفي لواحدية اليمن. بينما الوضع يأخذ منحى باتجاه نفي الهوية اليمنية الواحدة؟
- في مسألة الهوية بالمفهوم الذي تقصده، فإن هويتنا عرب كلنا من المحيط إلى الخليج، لكننا موجودون في كم دولة!
> والهوية اليمنية تكون واحدة، ولكن وجدت أكثر من دولة أو عدة كيانات حتى في الشمال نفسه؟
- بالتأكيد. القضية قضية حقوق، قضية عدل ومساواة. لو الشعب في الجنوب له مصلحة في الوضع الحالي وجئنا نحن وشياطين العالم كله نحرضه على كراهية صنعاء، هل سيقبلون كراهية صنعاء، لن يقبلوا منا. والعكس صحيح، الناس في الجنوب فقدوا مصالحهم ونهبت أراضيهم وثروتهم ولن يقبلوا بأي حل إلا بإعادة ما نهب. الرئيس قبل يومين كان يتحدث في تجمع عسكري قائلاً: من فوض هؤلاء الحديث باسم الجنوب، لا أحد وصي على الجنوب. هل يعقل هذا الكلام؟ وهل يعقل أن شخصاً يقهر الناس يكون وصياً عليهم؟
> كما ذكرت سابقاً، عندما كنت أتتتبع تيار إصلاح مسار الوحدة كنت ألحظ اتساقاً وتماسكاً حتى وإن اختلفت مع بعض مضامين ما يُطرح. في ما يخص الوحدة فإن تياركم كان يقول بأن الوحدة الحقة يمكن إنقاذها أو استعادتها إذا تم إصلاح مسارها الذي انحرف بالحرب. لم يكن لديكم مشكلة مع مفردات اللغة، أما الآن فإن الحراك صار حبيس اللغة، مهجوساً بها. يعني البيض عندما يتكلم عن الجنوب أشعر بأنه متوتر كلما جاء على ذكر الجنوب أو الشمال، هناك خوف من اللغة والمفردات المستخدمة، لكأنه يخشى أن تفلت منه صفة جنوب يمني أو جنوب عربي، وكذلك حال الآخرين.
- هذه الأمور كلها تحددها تصرفات وسلوك صنعاء وليس نحن.
> لكن صنعاء قد يريحها هذا الاضطراب؟
- في تقديري الشخصي، هذا كله تحدده صنعاء. فكلما تصلبت وتشنجت، دفعت الناس إلى التشدد أكثر. عندما تنكر الجنوب يزداد تمسك الجنوبيين بجنوبيتهم. عندما تصر على واحدية اليمن وواحدية الثورة، يحصل النقيض.
> بعيداً عن صنعاء، توجد مشكلة بين الشخصيات السياسية الجنوبية والمكونات حول العنوان؟
- صحيح. عندما تنكر صنعاء الجنوب وتصر على الواحدية، تدفع الجنوبيين نحو التشدد أكثر، ودرجات التشدد تتفاوت من شخص إلى آخر. عندما عدت من لندن (بعد رحلة علاجية) في أغسطس 2007، زارني مسؤول جنوبي في السلطة، ووقتها كان الحراك قد انطلق في 7 يوليو 2007. قال لي: الوضع صعب، والسلطة في مأزق. سألته: هل أتكلم معك كجنوبي أم كسلطة؟ قال: تكلم معي كسلطة. قلت له، وكنت متأكداً أنه سيوصل الكلام للرئيس: الحل في يدكم. أقنعوا الرئيس أن يدعو الجنوبيين للحوار لحل القضية في إطار وحدة. استبعدت أل التعريف لانه يدل وكأنها موجودة. قال لي: في إطار الوحدة. قلت لا. قال: ما الفرق؟ قلت: الوحدة يعني كأنها موجودة وهي مش موجودة. وأضفت: وفي الحوار يسمع من الجنوبيين الرد. ولا أعتقد أنهم سيرفضون هذه الدعوة، والحل لن يكون كما يريده علي عبدالله صالح، ولا كما يريده الجنوبيون. والحلول دائماً تنبع من الحوار. قال لي: هل ترى هذا ممكنا؟ قلت: أنا أرى الفرصة الآن، وإذا تأخرتم ربما تضيع. غادرني ثم زارني لاحقاً وسألني: لو فرضنا أن الرئيس قبل هذا المقترح، فمع من سيكون الحوار؟ قلت له: اتركوا هذا الموضوع. أنتم ادعوا الجنوبيين، لا تحددوا مع فلان أو علان. وجهوا الدعوة، وأنتم سترون من سيجيكم.
> من كان سيأتي في حال وجه الرئيس الدعوة، يعني الاشتراكي ما يزال يعتبر نفسه معنياً بأي حل؟
- هو سألني فعلاً: هل سيأتي الاشتراكي؟ قلت له لا أعتقد الاشتراكي.
> إلى جانب الاشتراكي يوجد حينها علي سالم البيض وحيدر العطاس وعلي ناصر محمد والقيادات الميدانية للحراك، وكذلك أنتم كتيار إصلاح مسار الوحدة؟
- الواحد يسأل عمن عندما يريد تحديده مسبقاً. المفروض يوجه الدعوة ثم يرى من سيأتيه.
> قد يتصدى مثلاً نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي وأحمد مساعد حسين ومحمد البطاني وغيرهم، ويقولون للرئيس لماذا لا تدعونا نحن، نحن أيضاً جنوبيون. ليس منطقياً أن يوجه أحد دعوة للحوار لطرف مبهم. إذا افترضنا اتفاق مكونات الحراك على ممثل سياسي متفق عليه، يمكن أن يحدث حوار.
- هذا الموضوع متروك لنا كجنوبيين. ونحن ليس لدينا حساسية لا من سلاطين يحاورهم الرئيس حول حل القضية ولا من الإخوة الجنوبيين في السلطة. المهم أن تُحل هذه القضية.
> لكن قد ينزلق البعض نحو لغة تخوينية. عندما جرى حديث في الصحافة (مايو 2009) عن تحضيرات لحوار في القاهرة بين علي ناصر وحيدر العطاس وربما آخرين والسلطة، لاحظت ردات فعل عنيفة جداً من بعض مكونات الحراك.
- هذا يمكن أن يحصل من بعض الأشخاص الذين يعوزهم العمق في الأمور. الشيء البديهي أن أي طرف جنوبي يحاور السلطة على القضية الجنوبية سيتشاور مع كل الأطراف الجنوبية، ولا يستطيع أي طرف جنوبي أن يتحرك بدون التشاور مع كل الأطراف.
> الرئيس علق في لقاء موسع قبل عدة أشهر على أولئك الذين يرددون بأن الجنوبيين الموجودين في السلطة مهمشون ومجرد موظفين، مؤكداً أن زملاءه في السلطة من أبناء المحافظات الجنوبية فاعلون ويمارسون صلاحياتهم كاملة، حتى إنه أشار إلى أحدهم قائلاً: "هذا هو أمامكم مسبع مربع"!
- سمعت هذا الكلام، وسبق أن أوضحت رأيي فيه في الجزء الأول من الحوار.
> بافتراض أن الرئيس قرَّر أن هؤلاء الذين معه في السلطة هم الأجدر، وقال لهم تعالوا نفكر معاً كيف نحل القضية الجنوبية، هل تعتقد أن هؤلاء سيأتون إليكم لمناقشتكم حول الحل؟
- من حيث المبدأ لا توجد لدينا حساسية تجاه أي جنوبي، لكن على أي طرف جنوبي يدخل في حوار مع السلطة إذا أراد النجاح، التشاور مع جميع الأطراف.
> في التراتبية الحكومية، يوجد مدير مديرية ومحافظ ومجالس محلية، ألا ترى أن الحراك انعكس إيجاباً على هؤلاء، وصاروا يمارسون صلاحيات أوسع، وأنا أسمع أن نائب الرئيس يمارس سلطات أوسع في المحافظات الجنوبية، أو لنقل يمارس سلطاته في إطار أوسع من محافظة في الواقع؟
- توجد ترقيعات ومحاولات من هذا القبيل، لكنها غير مجدية. بيت القصيد أن يعترف علي عبدالله صالح بالقضية الجنوبية وبالهوية الجنوبية، ويعترف بممثلين للجنوب، وحينها يمكن أن يكون للكلام جدوى.
> أحصل بينك وبين الرئيس علي عبدالله أي شكل من التواصل حول هذا الموضوع مؤخراً، حتى بطريقة غير مباشرة؟
- لا. حتى الآن لا. عندما عدت من لندن اتصل بي يسأل عن صحتي ويهنئني على نجاح العملية الجراحية.
> ولا حتى عبر رُسل؟
- لا.
> ما أعرفه أن علاقة شخصية طيبة جمعت بينكما في السابق؟
- العلاقة الشخصية كانت طيبة عندما كنا في السلطة. عندما كنت نائب رئيس وزراء لشؤون القوى العاملة والإصلاح الإداري، في الحكومة الأولى وفي الحكومة الثانية (حكومة مايو 1990، وحكومة مايو 1993). العلاقة الشخصية تقوت (بيننا) بسبب أجهزة التنصت على اجتماعات المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. كنت أختلف مع المكتب السياسي بالكامل في ما يخص الوضع الجديد الذي نحن فيه، والعلاقة بالرئيس. لم أكن أرغب في الدخول في عداء مع علي عبدالله صالح بعد أن أعلنا الوحدة وسلمنا الأرض والثروة. هذا ليس معقولاً. كنت مختلفاً مع المكتب السياسي، المكتب السياسي كان في وادٍ وأنا كنت في وادٍ. الرئيس كان يسمع ما يدور في اجتماعاتنا، وأذكر أنه أتصل بي مرة، وطلب مني أن أذهب إليه. ذهبت إليه في العاشرة صباحاً. قال لي أريدك أن تنضم إلى المؤتمر الشعبي، وسأعطيك عضو لجنة عامة. هذا طبعاً بعد إعلان الوحدة بأشهر. قلت له شوف إذا قالوا لك إن الاشتراكي انتهى وباقي فقط واحد سأكون أنا. قال: إلى هذا الحد؟ قلت نعم، قال: ليش؟ قلت له: نحن عشنا في هذا الحزب وهو امتداد لثورة الجنوب، خطأنا وصوابنا فيه، والخروج عنه إلى حزب آخر ليس له معنى، لأن الخارج من الحزب سيكون مجرد ضيف.
> وهو تقبل منك هذا الكلام؟
- لا. هو قال أيش لكم من تاريخ، أنتم قتلتم قحطان وسالمين ومطيع وعلي عنتر وصالح مصلح، وقال أيضاً شيئاً من هذا الكلام. قلت له: على كل حال، في تاريخنا شيء من السواد وشيء من البياض، لكن هذا تاريخنا ونحن نعتز به. وبعدين رحت من عنده.
كنا في المكتب السياسي مختلفين لأنهم كانوا يقولون إن الرئيس وعلي محسن الأحمر لهما علاقة بتنظيم القاعدة والجهاديين.
> المقصود الجهاديين لأن تنظيم القاعدة لم يكن قد أعلن وقتها؟
- نعم. وأن لهما علاقة بالاغتيالات والأحداث الأمنية في البلد. كنت ضد هذا الكلام، لأنه لا يعقل وجود ناس مسؤولين على بلد يخربون أمنه.
> ألا تزال على هذا الرأي الآن؟
- لا. أنا اقتنعت بأن كلامهم صحيح، ولكن للأسف لاحقاً. كنت وقتها ضد هذا الكلام، في حين أن الآخرين في المكتب السياسي، جميعاً وبدون استثناء، مقتنعون بهذا الكلام.
> كيف عرفتم بوجود عملية تنصت عليكم؟
- البيض حصل على تأكيدات بذلك، ولا أدري كيف حصل عليها.
> كنتم تجتمعون في مقر الحزب الاشتراكي، فهل يعقل أن الاشتراكي بقدراته الأمنية وبخبرته في السلطة لا يتحوط لهذا الاختراق الأمني؟
- هم وفروا لنا هذا المبنى. واستلمناه منهم.
> سمعت أيضاً أن بيوت بعض المسؤولين في الحزب كان يتم التنصت عليها. ماذا عن بيتك؟
- حتى بيتي. لم أكن أصدقهم في الحقيقة. صالح السيلي جلب أجهزة لكشف التنصت على اتصالاتنا. كانت أجهزة صغيرة يتم ربطها بالهاتف وتم توزيعها علينا. وكنت عندما اتكلم ألحظ دخول الطرف المتنصت فاختصر الكلام.
> هذا بالنسبة للاتصالات، لكن ماذا عن المقر؟
- البيض جاء بأشرطة تسجيل حصل عليها من داخل الرئاسة تبيِّن أن اجتماعاتنا مسجلة. ومع هذا لم اقتنع لانني خشيت من وجود لعبة بيننا (داخل الحزب) لخلق صدام مع علي عبدالله صالح. كان هذا تقديري فأنا لم أكن اتوقع أن يحصل هذا، لم أكن اتصور أن يتم العبث بمشروع الوحدة ومشروع أمنها من المسؤول الأول.
> متى كان هذا يحدث بالضبط؟
- في 1991.
> ومتى اتضح لك تماماً صدقية هذا الكلام؟
- في 1993. بعد الانتخابات البرلمانية بالضبط. لم أكن مقتنعاً بإمكانية حدوث هذا، حتى أن البيض بنفسه اعطاني شريط تسجيل فيديو، وقال لي: اتفضل شوف. رأيت (في الشريط) أشخاص مقربين لعلي عبدالله صالح (...) في جلسة مع جهاديين، وهم يوزعون عليهم المهام والمتفجرات. غير معقول أن يكون هناك مسؤولون في الدولة ويقومون بتخريب أمنها.
> وبصرف النظر عن التنصت على اجتماعاتكم، لكني ومن خلال تتبعي لآرائك ومواقفك، لاحظت انك تجنبت دوماً النيل من شخص الرئيس، قد تهاجم النظام أو موقع الرئاسة دون التجريح في شخص الرئيس، أيمكن أن يكون هذا سبباً إضافياً لمودة الرئيس تجاهك؟
- في السياسة لا يجوز التجريح الشخصي لأن القضية تتحول حينها إلى قضية شخصية. نحن نختلف مع سياسة الرئيس.
> خلال فترة المشاكل داخل الحزب الاشتراكي بسبب مواقفك من «وحدة حرب 1994»، كان يُقال إنك برغم هذه المواقف الراديكالية فإن علاقة جيدة تجمعك بالرئيس. كان يُقال هذا من بعض المختلفين معك في الرأي؟
- المختلفون معي، الله يسامحهم، اتهموني باتهامات كثيرة. كأن يقال إنني عميل مع السعودية، أو مع المخابرات البريطانية، أو انني أريد مغادرة الحزب الاشتراكي والالتحاق بالجفري في الرابطة، وإنني اشتغل لصالح السلطة لشق الحزب الاشتراكي، كلام كثير من هذا القبيل. لكن أنا لم أكن اهتم بهذا لثقتي بأن الحياة كفيلة بإقناعهم بصحة مواقفي.
> وانت الآن لا تحمل ضد هؤلاء أية مشاعر عداء أو بغض؟
- لا.