الظلام هو الحل

الظلام هو الحل

* منصور هائل
يستحق الصديق الدكتور راغب القرشي كل الشكر والمحبة والامتنان على تعليقه البديع حول ما يحدث في صعدة لأنه انعش في ذهني ذاكرة الافتتان والنشوة والتحليق في الاعالي والصراخ بالفم المليان:
< طز بتصريحات وبيانات الحزب الحاكم والحوثيين وأحزاب اللقاء المشترك ووسائط الاعلام والأوساط الاقليمية والدولية حول أهوال الحرب السادسة في صعدة التي دخلت أسبوعها الرابع، واجمعوا على أنها فظيعة، مروعة وكارثية وعلى درجة من العنف الذي قد لا يفضي إلى سقوط النظام الحاكم فحسب، وانما قد يأتي بعواصف تطيح باليمن واهله جميعاً.
< طز بكافة النسور والجيف.
< طز باجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي، والتحركات العربية والاوروبية والامريكية واجتماعات ملك ملوك، الاخ العقيد معمر القذافي «أبو سيف الاسلام» برئيسنا «أبو أحمد» -حفظه الله- ورئيس مصر «أبو جمال».!
< طز بوساوس وهواجس وكوابيس «التوريث» التي أنهكت وأهلكت هؤلاء الرؤساء التعساء، وأهلكت معهم دولهم وبلدانهم وشعوبهم منذ أن تركز وتمركز كل همهم في الدنيا في نقطة واحدة محددة تمثلت في تحويل الوطن إلى مجرد ضيعة أو مزرعة يرثها أنجالهم عنهم، وفتحوا بذلك أبواب الجحيم مجتمعة لتدافع مجانين السلطة المتطلعين لاختطاف الضيعة تحت مسميات دينية ومذهبية و«شرعية» في بلاد انكشف عنها غطاء كل مشروعية، وتعوزها السوابق الشاهدة على أن شبق السلطة فيها يرتوي بغير الدم.
< طز بأحداث الساعة والساحة المشتعلة، والرحمة على الضحايا من «شهداء التخلف» من طرفي بل أطراف التقاتل في صعدة، وعلى شهداء الحراك الجنوبي، وشهداء الماء والكهرباء.
ولن أسترسل في «الطزطزات» بإلزام من مقتضى العود إلى راغب. فهو طبيب أسنان لطيف كأبن غيمة، ويكسب قوته من العمل في عيادته التي تعمل بالكهرباء وليس بالفحم الحجري، وقد أعتزم الاعتكاف والتسبيح بحمد الظلام، وأعلن استعداده على التضحية بمصدر رزقه عبر تصريحه أنه يتمنى أن يكون أنقطاع الكهرباء مستداماً حتى لا يرى الاطفال في صعدة يلعبون بدبابات الجيش عوضاً عن الألعاب الالكترونية (الأتاري)، وحتى لا يرى الأطفال يتراشقون بالقنابل والالغام وأشياء من تلك التي جعلت أيران ترزح تحت طائلة الضغط والتفتيش الدوليين!
لقد لفتني صاحبي إلى امتزاج المأساة بالملهاة بمغايرته الثاقبة، وقدرته على تغميس المصيبة بقطر المرح، وأختلافه عن السائد والسائر في «خطاب» الفرقاء.
لفتني بتمنيه انقطاع الكهرباء تماماً وكلياً حتى يرى أكثر، وأختلافه عن كل من يزعم أنه يرى: «من يرى لا ينقصه شيء»، وجهر بتفضيل الظلام العام فليس ثمة ما يغري ويغوي وليس ثمة ما يحول دون الأشارة إلى تعويم الظلام فهو معمم بامتياز وعنف منقطع النظير وأي عنف في مستوى أنقطاع الكهرباء.
ثم أن الشاهد على هذا العنف المعمم يتمثل بخراب شبكة الكهرباء وانقطاعها لساعات طويلة في العاصمة ولأيام ولأشهر في الكثير من أرجاء البلاد، وانقطاع المياه لأيام وأسابيع وسقوط «الشهداء» في سبيل الكهرباء والماء في عدن وغيرها، وإعادة السؤال حول صحة ما يقال عن تخطي اليمن للعصر الحجري؟ وهل يعني ذلك -أي تجاوز العصر الحجري- أنقطاع الماء وانعدام الكهرباء وانعدام جدوى الشهادة في سبيل هكذا نوافل؟!
أما بشأن ضحايا حرب صعدة.. ترى في سبيل ماذا قضوا؟.
 سبحانك أيها الظلام، والمحبة لطبيب الاسنان الذي اختزل الحالة اليمنية بعبارة ساخرة لم يهتد إليها جهابذة السياسة، فهو يختلف عنهم لأنه لا يفكر بأسنانه، ولأنه أسقط الكهرباء من حسبانه.