هل حان وقت إعادة إنتاج الوحدة 4-4

هل حان وقت إعادة إنتاج الوحدة 4-4 هدى العطاس

لا يمكن لأي كان القطع بأن شعبي اليمن قد دخلاها وهما على دراية ومعرفة يقينية وعميقة ومتماثلة ببعضهما. لقد كان الشطران يتبادلان حقائق مغلوطة عن بعضهما كانت هذه الحقائق المغلوطة هي الأساس للانطباعات وردود الأفعال اللاحقة على تحقيق الوحدة.
لا يمكن إغفال أنه كان هناك تمايز شديد بين نظرة الشمال اليمني إلى جنوبه وجنوبه إلى شماله، متمثلا على المستوى الشعبي صعودا إلى المستوى السياسي، وفيما السياسة اشتغال على الممكن وإزاحة للمواقف بما يتناسب وظروف اللحظة والمرحلة، يظل البعد الشعبي عفويا في تحركاته بعيدا عن مقايضات لحظات السياسة والاشتغال وفقا لتحولاتها.
سحبت وجهتا النظر الشعبية الجاهزة ثقلها كله إلى داخل المشهد الوحدوي، واعتملت في واقعه، وكما أن نظرة الشطرين إلى بعضهما تمايز كذلك الارتكان إلى تلك النظرة والاعتماد عليها لتفسيرالعلاقة بين الشطرين شعبيا، اختلفت في قوة وقعها وأدائها والتمترس عندها، فإلى حد كبير دخل الجنوبي غمار الوحدة منفتحا على الشمالي متجاوزا أحكام جاهزة بدت مقتصرة على بعض الدوائر المطلعة. ويعود السبب إلى جهل الجنوبيين بالواقع الشمالي. والحقيقة وغالب الحال يقول بأن الجنوبي لم يكن يعرف كثيرا عن الشمال والمجتمع الشمالي، وكانت سياسة الدولة حينها قد عزلته وحجبت عنه حقائق كثيرة تتعلق بشقيقه في شطر الخريطة. وللأمانة التاريخية لم تذهب الدولة في الجنوب حينها إلى تعبئة الشعب أثناء الاحتراب والخلافات السياسية، ضدا على المجتمع في الشمال، وظل المجتمع الشمالي بالنسبة للجنوب واقعا مجهولا، جل ما يعرفه عنه لا يحمل وثوقية، مثال: أن الشعب في الشمال يعيش ظروفا اقتصادية أفضل قليلا منه كجنوبي، على خلاف الشمالي التي كانت ظروف المراحل التي سبقت الوحدة عملت على شحنه وتعبئته بمحمولات ذهنية وثقافية عن شقيقه الجنوبي الشيوعي الذي يأكله الفقر والانحلال الأخلاقي. كانت تلك الصورة النمطية عن الجنوب مرفودة بهيمنة دينية من دول الجوار وانتشار علني للجماعات الإسلامية، السياسية منها أو الفكرية، التي ناصبت اليسار العداء ومازالت، فضلاً على القبيلة التي تضرب أطنابها في منظومة قيمه، قافزة على وجود الدولة والقانون، وهذا هو البعد الأهم الذي كان غائبا عن الجنوبي في مستوياته الشعبية.
هذا الواقع شكل محمول التصور الجاهز لدى الشمالي عن الجنوبي وأفرز بعد الوحدة، سلوكاً يرى فيه الشمالي لنفسه أفضلية على الجنوبي. وتعزز هذا التصور بسبب الموقف المتراخي لقادة الجنوب أثناء التحضير للوحدة، حيث قبلوا بتقديم تنازلات باهظة رسمت حينها ديكور المسرح الذي ستعرض عليه مشاهد الواقع الوحدوي.
وصبيحة تحقيق الوحدة وجد الجنوبي نفسه وقد حل في المركز الثاني خلف الشمالي، والترتيب لم يكن سياسيا فقط بل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.ومنذ سنوات الوحدة إلى لحظتنا ما زال الجنوبي يشعر أنه لا يقف على نفس الخط وأخيه الشمالي، وأن العد لا يبدأ من الجنوب أو من الشمال سيان في قيمة المعدود، بل رأى نفسه، ليس محسوبا كواحد صحيح زائدا واحد شكلا نتيجة متساوية القيم، وشعر أن الشمالي يعده صفراً فتحولت الوحدة في نظر الشمال واحدية.