التحايل الحكومي على الموظفين

التحايل الحكومي على الموظفين - محمد الغباري

لست بحاجة إلى إثبات أن عشرات الآلاف من الموظفين قد وقعوا ضحية نصوص استراتيجية الأجور والمرتبات والتعسف في تطبيقها، وأن المعلمين يأتون في طليعة الشرائح الاجتماعية التي صودرت حقوقها عن سوء قصد ونية، ثم الغالبية من موظفي جمهورية اليمن الديمقراطية وصولاً إلى الصحافيين كشريحة تعايشت مع واقع عدم الاعتراف بها عقوداً من الزمن.
حتى الأمس كان الآلاف من المعلمين يحتشدون في ميدان التحرير للمطالبة بحقوقهم التي التزمت بها الحكومة وتنصلت منها في اليوم التالي. وهي وقفة بطولية تحتاج بقية الفئات الاجتماعية لتمثلها وخصوصاً العاملين في قطاع الاعلام الذين لا تقر الوثائق الرسمية للحكومة بصفتهم المهنية حتى الآن.
وهناك في عدن ولحج والضالع و في صنعاء ايضاً الآلاف من الضحايا الذي أوكلوا امرهم إلى خالقهم بعد أن نزلت عليهم بنود الاستراتيجية كالصاعقة لتقضي على ما تبقى لديهم من امل بإنتهاء الحالة الاستثنائية التي وصلوها عقب الحرب المدمرة في صيف 1994م. لكن القليل لا يزال يقاوم.
الأمر لا علاقة له بالمناكفة أو التشكيك بالقدرات الخارقة لوزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية، لكن الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع نقابات التعليم ابرز شاهد على الاستخفاف بقضايا وحقوق الناس، وتأكيد على أن البسطاء وصغار الموظفين هم الضحايا المعترف بهم لهذه الاستراتيجية.
الحال كذلك لدى الآلاف من الموظفين في المحافظات الجنوبية التي كان الحزب الاشتراكي يحكمها، فهؤلاء إما فقدت ملفاتهم إبان الفتح العظيم لمدينة عدن في ذلك الصيف المشؤوم حيث ابدع المتفيدون في النهب، وإما أن العهد الجديد قد غير الصفات الوظيفية التي كانوا يشغلونها فأرغموا على الخضوع لنظام الجمهورية العربية اليمنية.
لن اتحدث في العموميات فقط ولكن هناك حالات محددة تجسد المأساة. فهذا موظف كان يعمل مديراً لتحرير صحيفة تصدر في عدن وهو موقع يوازي درجة نائب وزير، قبل أن يجد الرجل نفسه بعد الوحدة وقد عين في موقع رئيس تحرير لمجلة تصدر عن إدارة عامة للإعلام ثم تأتي الاستراتيجية لتقول ان عدم اكتمال وثائقه التي فقدت أو نهبت يتطلب إعادة تسكينه في موقع أقل من مدير إدارة..
زميل آخر نقل من إذاعة عدن إلى اذاعة صنعاء للمشاركة في العصر الوحدوي الزاهر وعين رئيس قسم، غير أن الاستراتيجية العملاقة لم تعرف طريقها إليه، لا لشيء ولكن لأن جهاز الأمن السياسي اخذ جميع ملفات الموظفين في عدن إبان الحرب وبوثيقة ايصال رسمي ولم يُعد هذه الملفات حتى الآن، والخدمة المدنية وعباقرتها لا يعترفون بقرارات التوظيف التي صدرت عن الدولة الشيوعية.
في ظل الحكم الشيوعي لم يعرف الموظفون اهمية وفاعلية نظام تصوير كل شيء وكل الوثائق وبأعداد تكفي لمائة حالة اضطرارية؛ ولهذا لم يحتفظ الكثيرون بصور من وثائق تخرجهم أو توظيفهم وهم اليوم مطالبون بإحضار ما يثبت انهم تخرجوا من كلية عدن التي وجدت قبل الاستقلال وقبل أن يعرف جهابذة الاستراتيجية معنى التعليم العالي والجامعي.. فهذا الصحفي المخضرم محمد عبدالله مخشف وبعد خمسين سنة من الخدمة يواجه خيار التسكين في مرتبة مدير إدارة إن لم يحضر ما يثبت أنه تخرج من كلية عدن لأن ملفه الوظيفي سلم لجهة وحدوية جداً بعد نقله إلى وكالة الانباء اليمنية سبأ ولم يعرف أين ذهب...
الضحايا كثيرون وعدد غير محدود من الباحثين في مركز الدراسات والبحوث، وهم بالمناسبة اعلى تعليماً وأكثر انتاجاً في الجوانب العلمية والبحثية ممن يدعون فهم القوانين والحرص على اصلاح الاوضاع الادارية والسياسية في البلاد، هؤلاء ومنذ شهور عديدة تحولوا إلى مشارعين لدى مسؤولي وزارة الخدمة المدنية الذين يريدون إحالتهم للتقاعد بدون تسوية اوضاعهم الوظيفية وفقاً لقرار مجلس الوزراء بهذا الخصوص.
لا أجد توصيفاً دقيقاً لحكومة تمارس الكذب والتحايل على مواطنيها دون حياء أو خجل. فعند انعقاد المؤتمر العام السابع للحزب الحاكم في عدن خرج علينا مجلس الوزراء بقرار يقضي بأنه لا يتم مصادرة أي حق مكتسب للموظفين وما أن انتهت زفة الكذب حتى تحايل المجلس ذاته على القرار واصدر تعميماً نص على ان يمنح اصحاب القرارات التي لم ترتبط بوظيفة في الهيكل الاداري نصف الامتيازات التي نصت عليها الاستراتيجية، وكثير من هذا لم يتم ولم ينفذ..
malghobariMail