الربادي.. محامٍ بدون أجر للفقراء والمظلومين!!

الربادي.. محامٍ بدون أجر للفقراء والمظلومين!! - بقلم: عبدالله البردوني

لماذ يتدفق إذا خَطَب؟؟ وتتقطع أنفاسه إذا كتب؟ حتى صارت كتاباته نادرة في بداية الستينيات، ولكن أهم من كتابته وخطابته حضور موقفه إلى جانب كل مظلوم وكل مجني عليه من أي متجه، فكان يعنى بالسجين من جهتين: المطالبة بإطلاقه، ومساعدة أهل السجين بما اقتدر عليه. وكان ضيِّق الصدر لوقوع أي حدث على إنسان بريء. وكان خدوماً عند كل احتياج وبالأخص إقداره العاجزين على أي مستوى، فلا يمر وفي الطريق كسيح دون أن يبذل ما يملك في وصول الكسيح إلى مأربه. إلى جانب هذا محاماته للفقراء. وكان يتقاضى كل محام أجراً إلا الربادي فإنه كان يقول: «ما احترفت الوكالة في المحاكم وانما انا طالب فائدة من سير الأحكام وتفاوت اطماع القضاة».
وكان يرى ان القضاة يطولون مدة الشجار أو يضعون في الاحكام ما يتسبب في استئناف المشاجرة فكانت القضية الواحدة تظل شهوراً لكي يظل الدخل بكل مسمياته مستمراً، وكان الاستغلال على أشده حين يخرج القاضي للاطلاع على مكان الحدث أو على الموضوع الذي يدور حول الخصام. وكان الربادي قليل المعارف الفقهية ولكنه نفاذ الذكاء إلى بواطن الاحكام وطوايا القضاة. وأول من فطن إلى اجتماعية الربادي هو احمد السياغي، نائب لواء إب، الذي لقيه المحسن لوجه الله، ومن عام 1965م شغل مناصب كرئيس مصلحة، كمدير مؤسسة، كوكيل وزارة، وكانت وكالة الوزارة أطول اعماله، ودلت اعماله على نظافة يده وجيبه فقد كان الوكيل قوي الصلة بالدوائر المالية لأن منصبه في حقيقته اداري وإن كانت مواصفاته سياسية، فمن حقائق التدرج الوظيفي ان يصل الموظف المجرب إلى وكالة الوزارة لكي يقتدر على إدارتها من موقع خبرة لأنه تطور وتعرف من أول السلم الوظيفي إلى الوكالة، وفي بلادنا يتعين الوكيل بقرار جمهوري كالوزير، وهذا يخلع عليه الصفة السياسية مع ان الوكلاء موظفون عدوا إلى درجة الوكيل أو الوزير غير أن التعيين لا يراعي القانون الوظيفي فقد تعين كثير من الموظفين مديري ادارات من اول يوم في العمل سواء كان الحكم رئاسياً أو حكومياً، ومن عام 70م إلى الآن اصبحت كل الانظمة العربية ملكية او رئاسية او اميرية.. وكان الربادي من الذين ينالون المنصب الإداري أو الوكالي بلا تدرج في المؤسسة التي بدأ منها عمره الوظيفي، فقد يتعين وكيل وزارة الأشغال وكيل وزارة تربية أو اعلام. ودلت الظواهر على أن الوكالة اطول عمراً، واسخى نفعاً، إلا الربادي فإنه ظل فقيراً أو أقرب إلى الفقر وهو وكيل أو مدير عام، لأنه اراد ان يكون نفاعاً كإنسان وليس منتفعاً كسائر الأجراء والأجيرات.
إن الكتابة عن الربادي إلى الآن مجرد استعراض ظواهر. أما الكتابة الحقيقية عنه فإنها ستتبازغ عندما تسفر أوراق الربادي عن وجهها لكل باحث لأن هذا الانسان قيمة في ذاته، قيمة وطنية، قيمة إنسانية.
لأنه مضح بلا أرب شخصي، وقد كان آخر اعماله رئاسة اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، لكنه استقال بعد عام حين تكشف انه لا يجدي وحين تكاثر دخل الاتحاد من ايجار داره في عدن، فكأنه فر من النقود او من صرفها بلا استحقاق. وفي انتخاب ابريل 1993م حصل على أصوات المنطقة بلا استثناء، إذ كان المواطنون يتبارون هاتفين لأنهم بهذا يدلون على حسن اختيارهم وعلى معرفتهم بمقادير الرجال، وقد كان هذا الانتخاب بكل تفاصيله قليل الجدوى لأن طابع الصفة غلب على طابع الحرية فخسر المواطن معرفة الشعب بالانتخاب ولماذ ينتخب. لأن سوابق النائب هي التي تضعه موضع الاختيار او الكراهية لأن مواطن العالم تختار عن وجاهة سببية، فتختار هذا على شجاعته في حرب، وتنتخب ذاك لمواقفه من خصوم الوطن، وتختار هذا لمعارضته زيادة الضرائب، وهذا لحسن مواقفه إلى جانب الفقراء... فما من منتخب إلا وله سوابق هي التي تقرر الفوز او الاخفاق، وقد تمت الانتخابات ودل انتخاب الربادي على خبرة الذين انتخبوه بلا نقود وبلا مواعيد بنقود. فودع الربادي عالم الأحياء راضياً مرضياً عنه.

* هذا الموضوع كتبه الفقيد الشاعر/ عبدالله البردوني، في ذكرى اربعينية الفقيد محمد علي الربادي عام93م.