يا عيبتاه!

يا عيبتاه!- إلهام مانع

في الواقع تعجبت؛ وأظنكم تعبتم من كثر تعجبي.
لكني، ككل مرة، أجد دوماً أن هناك ما يستدعي التعجب.
فتحملوا، وأستمعوا إلي!
ما الذي أثار تعجبي؟ تسألون.
لا، لم تثر الضجة الدولية حول قانون العائلة الأفغاني تعجبي. تلك كانت ضرورية. ولذا أحني لها رأسي احتراماًَ.
 بل التغطية المؤدبة التي أعقبتها في وسائل إعلامنا العربية.
كأننا نتحدث عن موضوع عجيب، غريب، لا نعرف له شبيهاً في منظومتنا القانونية. كأننا نتحدث عن واقع في كوكب بعيد. ولذلك، وككل مرة، أعود لأقول لكم: وماذا عن هنا؟
لمن لم يتابع الموضوع، إليكم خلفيته:
الضجة أثيرت بعد توقيع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، في نهاية مارس الماضي، على قانون للعائلة وضع خصيصاً لأقلية الهزارة الشيعية. يمنع قانون "شؤون الأسرة الافغانية" الزوجة من رفض إقامة علاقة جنسية مع زوجها، أو مغادرة المنزل الزوجي، أو العمل، أو التعلم، أو زيارة طبيب، بدون الحصول على إذن من الزوج.
زوجة وزوج، يفترض فيهما أن يعيشا على الحلوة والمرة، وأن يؤسسا حياة مشتركة.
احترام، محبة، مودة، وعشرة حسنة.
هكذا تصورت دوما مفهوم الزواج، رغم أن كل النماذج التي شاهدتها في حياتي، مع استثناءات قليلة، كانت تقول لي العكس.
ثم يأتي قانون، ويحوّل الزواج إلى مصيبة.
كارثة وحطت على رأس المرأة.
يحولها من إنسان إلى جارية.
جارية! جارية! جارية!
بضاعة متعة، لها دور يتوجب عليها أن تقوم به، شاءت أم أبت.
يقول لها "إنسان"؟ أي إنسان يا مرة؟ أية مودة ومحبة وعشرة حسنة يا مرة؟ ما أنت إلا جارية تسمع وتطيع. زوجك هو ربك، هو الله. إذا قال لك زوجك: تعالي! هبي لندائه. وإذا قال لك: مارسي الجنس معي! اخلعي رداءك وافتحي ركبتيك، ثم اهمدي، وموتي.. كمداً.
لحسن الحظ أن الناشطات الأفغانيات، والمنظمات الأفغانية لحقوق الإنسان، تعلمن الدرس الذي أدركه كثير من الناشطات الحقوقيات في الآونة الآخيرة: "لا تصمتن! ارفعن أصواتكن، وطالبن بحقوقكن! الجأن إلى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والإلكترونية، ولا تترددن في تسمية الأشياء بأسمائها! هل لاحظتن كيف أصبح الـ"فيس بوكـ" منبراً للكثير من النشاط الحقوقي العربي؟ لو لم تلاحظن، أنصحكن بفتح حساب فيه اليوم".
الناشطات الأفغانيات فعلن ذلك، رفعن أصواتهن، لم يلتفتن لصمت الحكومات الغربية أثناء مناقشة البرلمان للقانون، وواصلن احتجاجهن، ثم لجأن إلى حملة دولية عبر الـ"فايس بوكـ" لفتت أخيراً انتباه وسائل الإعلام الدولية، والتي بدورها مارست ضغطاً بتساؤلاتها على الدول المانحة؛ الدول نفسها التي كانت قبل ذلك صامتة.
فبدأت الدول المانحة، واحدة بعد الأخرى، ترفع أصواتها محتجة. لسان حالها كان مستهجناً: "كيف يمكننا أن ندعم نظاماً يجيز اغتصاب الزوجة رسميا؟".
سبحان الله!
ألم يكن يجيز اغتصاب الزوجة رسميا قبل ذلك؟
ما علينا!
 المهم أنهم اضطروا إلى التحرك والاحتجاج. وبسبب ذلك الاحتجاج، لا غير، قرر الرئيس الأفغاني، إعادة النظر في القانون، معلنا أن وزير العدل "سيدرس تفاصيل كل بند بدقة"، مضيفاً: "وإذا مثل أي بند مشكلة فإننا سنتخذ الإجراءات الضرورية بالتشاور مع العلماء".
جميل.
هذه هي خلفية الموضوع.
ما أثار تعجبي هو الطريقة التي مارست بها وسائل الإعلام العربية تغطية مؤدبة للموضوع. بعضها حاول أن يغمز بأن القانون يتعلق بالأقلية الشيعية، ولذا، فالمسألة تتعلق بالمذهب الشيعي تحديداً.
هذا البعض عليه أن يخجل من نفسه، خاصة وأنه أدرى أنه لا فرق كبير بين المذهبين الشيعي والسني عندما يتعلق الأمر بقوانين العائلة التي تحتكم إليها الدول العربية.
البعض الآخر، غطى الموضوع كأنه غير معني بها إطلاقاً، كأننا نتحدث عن قضية تتعلق بأهل المريخ! حسبها (المرأة) الله ونعم الوكيل!
وسؤالي هنا تحديداً: هل القضية لا تعنينا بالفعل؟
دعوني أقدم لكم نماذج من قوانين العائلة العربية، كي تدركون أن القضية تعنينا نحن أيضاً.
المادة 40 من قانون العائلة اليمني لعام 1992، يشير، تحت بند "في العشرة الحسنة"، إلى أن "للزوج على الزوجة حق الطاعة فيما يحقق مصلحة الأسرة، على الأخص فيما يلي: الانتقال معه إلى منزل الزوجية، تمكينه منها صالحة للوطء المشروع في غير حضور أحد، الامتثال لأمره والقيام بعملها في بيت الزوجية مثل غيرها، عدم الخروج من منزل الزوجية إلا باذنه...".
قانون العائلة اليمني ينص على أن المرأة عليها أن تطيع زوجها، وأن هذه الطاعة تشمل الذهاب معه أينما ذهب، كأنها غير معنية بالموضوع، تمكينه من نفسها: ممارسة الجنس معه، أرادت ذلك أم لم ترد، والامتثال لأوامره، ثم القيام بعملها في بيت الزوجية، وألاَّ تخرج من منزل الزوجية إلا إذا أذن لها!
كأنها أجيرة. أليس كذلك؟
القانون اليمني يقف على قمة الهرم هو والأحكام الشرعية الممارسة في المملكة العربية السعودية "لا يوجد قانون للأحوال الشخصية في المملكة" عندما يتعلق بهذا الشأن.
وبعدهما تتدرج قوانين الأحوال الشخصية العربية (باستثناء تونس والمغرب) في مدى قربها أو بعدها من هذا النموذج المؤسس لدونية المرأة ودورها كجارية، لا كشريكة للحياة. فالزواج وفقا لهذه الرؤية ليس نظاماً يقوم على الاحترام، يتكون من فردين، يتمعتان بالقدر نفسه من الحقوق والواجبات.
لاحظوا أيضا أن قوانين الأحوال الشخصية للمواطنين في البلدان العربية ممن يدينون بالديانة المسيحية أو اليهودية ليست أفضل حالا، وإن كانت أقل حدة من نظيراتها الإسلامية (لم يفرض أي منها على المرأة أن تمارس الجنس مع زوجها غصبا ورغما عن أنفها). لكن الجوهر هو أن المسألة تتعلق برؤية ذكورية للأديان، أيا كانت، أسست لهيمنة الرجل في العلاقات الأسرية.
على سبيل المثال: المادة 46 من قانون الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في سورية ولبنان تقول: "الرجل هو رأس العائلة وممثلها القانوني والطبيعي، على الرجل أن يحمي زوجته وعلى المرأة أن تطيع زوجها".
أطيعي زوجك!
لم لا يطيعني هو؟
هل يبدو الأمر مزعجا لو انقلبت الآية وأطاع الزوج زوجته؟! تخيلوا لو نص قانون الأحوال الشخصية اليمني على المادة التالية: "للزوجة على الزوج حق الطاعة، وعليه أن يلبي رغبتها الجنسية متى شاءت، وحبذا لو غسل المواعين قبل ذلكـ".
منطق غريب. يؤلم ويجرح في الواقع. أليس كذلك؟ لكن أيضا هو غريب لو تعلق بالرجل أو المرأة على حد سواء؛ لا يؤمن بالشراكة والاحترام كأساس لعلاقة زواج اختيارية.
اختيارية.
أنا أختار أن أتزوج.
ليس قدراً ولعنة. وقد أختار أن ألاَّ أتزوج.
وعندما أختار الزواج أفعل ذلك كي أضيف شيئا إيجابيا إلى حياتي.
ليست بلية أو مصيبة.
ولكي لا تكون بلية أو مصيبة، أدرك أني عندما أتزوج، أتزوج كإنسان، تماماً كزوجي: إنسان.
فردين متساويين، محبين.
ما أجمل الواقع عندما يكون عادلاً!
"رومانسية حالمة". بعضكم يبتسم الآن.
لعلها كذلك!
لكنها تظل بديلا لرؤية تقول للمرأة إنها ليست إنسانا؛ إنها إمعة، مطية، يركبها الرجل متى شاء، وهي عليها أن تسمع وتطيع، وتبتسم فوق هذا.
إذن!
هل فهمتم سبب تعجبي؟
ما يحدث في أفغانستان يحدث لدينا اليوم
في هذه اللحظة
في هذه الثانية.
وهي ليست نصوص قوانين جامدة
بل نعيشها واقعاً تضطر معه المرأة إلى قتل آدميتها كل ليلة في فراش الزوجية.
هل نسيتم "بدور"؟ لا تنسوها!
فحبذا لو صرخنا نحن أيضا، وطالبنا بتغيير قوانين الأحوال الشخصية العربية؛
لأن ذلك هو المفتاح إلى التغيير، لو كنتم تدركون!
يومكم سعيد.
[email protected]