الربادي.. ذكرى رجل شجاع

الربادي.. ذكرى رجل شجاع

- إب: إبراهيم البعداني
- نشأ في مدينة إب، بعيداً عن موائل الساسة وموائدهم..
لأنه كان معتزاً بنفسه وسيداً لمواقفه..
- عرف عنه البلاغة والفصاحة فكان خطيباً مفوهاً، وفيلسوفاً قلَّما يجارى.
- عرف عنه الأدب والشعر والحكمة والفكر.
- كان ثورياً مع الثورة، ووحدوياً مع الوحدة. وكان سياسياً محنكاً، ذا شجاعة، يقول كلمة الحق اينما كانت، لايخاف احداً ولا سجناً، ولافقراً.
لم يكن ثرياً، لكنه كان يمتلك من كنوز المعرفةوالكرم والحب كثير الدرر.
من لا يعرف محمد علي الربادي، إبن إب، فقد فاته الشيء الكثير من معرفة الرجال.
هاهي الذكرى ال(13) لرحيله تريد أن تمر علينا، على استحياء كما كان شأن سابقاتها؛ إلا أن «النداء» ارتأت أن لا تكون كل الذكرى سواء..
هنا وفي هذه الأسطر القليلة، كان لـ«النداء» جولتها في مناقب الفقيد وعلى لسان محبيه، في المحافظة التي خلع عليها رداء حبه، وسكبها علمه وغذّى صمتها بشجاعته.
إنسان وهب الانسان حياته
«كان الربادي مفكراً، ومجدداً واديباً لامعاً، وخطيباً مفوهاً».
كان الجميع يعرف ذلك، إلا أن الأديب عبدالجبار الليث عضو اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين اراد تذكيرنا بما سبق ليضيف: «امتلك الربادي اسباب المجد والثراء، فزهد عنهما، ولم يساوم..».
لحظات صمت، ليواصل: «كان انساناً بلا حدود، وفي سبيل هذا الانسان، وكرامته وعرضه، وهب له حياته وفكره، وعلمه..».
ثم استشهد قائلاً: «اريد دولة تصون عرضي، ولأقطع من نصفي».
ذلك هو الربادي، الذي فضل الكاتب عبدالفتاح البتول وصفه ب «أنه من الشخصيات التاريخية المؤثرة في المجتمع، والمساهمة في صناعة الحياة». ويسترسل بالوصف قائلاً:
«كان -رحمه الله- نموذجاً للمثقف الإيجابي الذي يوظف قدراته وإبداعاته وثقافته من أجل الوطن، منكراً ذاته، وتاركاً اهواءه وأطماعه».
ويتوسع البتول ليربط الماضي بالحاضر والمقدمات بالنتائج: «كان مثقفاً واسع الاطلاع، لم يكتف بتحصيل العلوم الشرعية واللغوية في حلقات العلم بالجامع الكبير بمدينة إب، وإنما وسع دائرة ثقافتة الذاتية..» ولم ينس الاشارة إلى ممارسته التجارة كصاحب دكان صغير لبيع الحنطة والبر والذرة، والتي قال إنه استغل وقتها في القراءة ونقل وتوسيع ثقافته، مشيراً إلى ما قاله الشاعر والأديب اليمني الكبير عبدالله البردوني عن الربادي من أنه مر بمراحل ثلاث في حياته، هي: معلماً ومتعلماً، وحناطاً مثقفاً، وكاتباً يريد تغيير المجتمع.
فلقد كان دكان «الحناطة» مدرسة فكرية وصالوناً أدبياً، كان يستخدمه الربادي في القراءة مع زملائه وتلامذته.
كان تفسير سيد قطب «في ظلال القرآن» و«الشعر الجاهلي» لطه حسين، مائدة دسمة، أثرت ثقافته الاسلامية، لتنعكس ايجاباً على دوره الاجتماعي.
البردوني الذي اعجب بصديقه الربادي، وصف جزءاً من حياته، حسب معرفته ورفقته به، فذهب إلى أن دكان الحبوب، الخاص، بالربادي كان عبارة عن مقيل ومكتبة، اكثر منه مخزن حبوب، لأنه كان يبيع ما اشتراه في نفس اليوم فلا تنطبق عليه صفة تاجر حبوب، لأنه لا يختزن ولا يغالي إذا غالى الآخرون.
شجرة طيبة!
عبدالله الربوعي -تلميذه وجليسه -اعتبر الحديث عن استاذه بعجالة غير كاف، لأن ذلك في نظره بحاجة إلى مجلدات، ويكتفي بالاشارة المستعجلة إلى بعض الجوانب الانسانية فيه، فيقول إنه «الشجرة الطيبة ذات الأصل الثابت وفرعها في السماء» فهو -بحسب الربوعي الذي جلس معه كثيراً -لم يردّ سائلاً، حتى وإن كان مفلساً فقد كان يقترض المال ليعطيه، وقال أنه يكشف بعض اسراره، إذ قال إنه كان - برغم وضعه المادي الحرج- يشتري الملابس في رمضان ويقوم بتوزيعها دون علم أحد.
معمر البتول - وهو كاتب من محافظة إب- هو أيضاً كان له نصيب في سرد خصال ومناقب رجل شجاع ونزيه، مناضل ومفكر، صاحب رأي حر ومبادئ ثابتة.
ولم ينس القول أنه «جمع في قلبه هموم وطنه وأمته حتى اعيته».
ويعرف أبناء المحافظة الذين اختاروه مرشحاً لهم في مجلس النواب عام 1993 أن الربادي الذي كان يستطيع أن يجمع ثروة طائلة ويركب السيارات الفارهة ويسكن اضخم القصور...، يعرفون أنه فضل المشي على قدميه، والسكن في أحد منازل إب القديمة والعيش كمواطن شجاع حين رفض أن يكون صامتاً ذليلاً خائفاً.
ولم ينس أبناء إب، بل واليمنيون جميعاً، ذلك الرجل الشجاع حين وقف خطيباً أمام رئيس الجمهورية وقال: «إن الله تعالى امتنَّ على قريش بشيئين اثنين: اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف...» ثم قال تلك الكلمات المشهورة: «اريد دولة تصون كرامتي، ولأقطع من نصفي».
الاديب والشاعر خالد محمد هاشم، بعد أن قال ما قاله عن الربادي، وانتقد تحول ذكراه إلى موالد صوفية للندب، قال: «كم سيكون الربادي قرير العين في مثواه، حين يحمل محبوه إليه بشرى سيرهم على دربه وتمسكهم بمواقفه الوطنية الشجاعة، التي لم ترض أن تهادن فاسداً او ظالماً» وقال إن المواقف هي الدليل القاطع على حب الربادي.
- مات الربادي وفي قلبه وطن كبير. مات وله في الوطن حب كبير.
يقول الاديب عبد الجبار الليث: «كل يوم تمر بنا قوافل الموتى فلا نأبه لها، واكبر نصيبها منا الحوقلة.
فلما سرت قافلة الربادي -طيب الله ثراه- دهشنا وجزعنا.. مات الربادي فعرفنا الموت وما كنا نعرفه قبل ذلك، لأننا ما كنا نرى إلا أمواتاً ينقلون من ظهر الارض إلى باطنها، أما الربادي، فكان حياً، حياة حقيقية، فكان موته كذلك..».