ووجدت نفسي هكذا... !

ووجدت نفسي هكذا...! - أحمد الشلفي

كان رجل ستيني يتكئ على عوده بحنو ويغني لأحمد قاسم ولطفي أمان: «ووجدت نفسي هكذا أهوى وأهوى». يستطيع هذا الرجل أن يجعلك تندم لأنك لم تكن قد سمعت هذه الاغنية من قبل.
يردد جمع شفيف مع عبدالعزيز مقبل، مدرس الموسيقى في كلية الفنون، يحضن الرجل عوده العتيق بألفة وشجن لم أعهده ويواصل الغناء. ليس الامر مجرد غناء لكأن هذا الفنان يودع ذكرياته أو خلاصاتها في صوت دافئ عميق يستدعي بعذوبة أدائه ملامح وحكايا زمن يحضر في تقاسيم صوته.
 ومع أن عدن بتاريخها وفنها ومبدعيها وفضائها الذي اتسع لأكثر من ثقافة وأكثر من لون يجعلنا نحدق، إلا أن لحظة كهذه جعلتني أختصر جهد البحث عن قديم المدينة وجديدها في صوت هائل.
قادتني قدماي مع زميلي العزيز فضل مبارك بدعوة من الزميل نجيب صديق إلى منتدى الطيب في المنصورة..  قلت إنها فرصة للتعرف على المنتديات الثقافية في عدن خاصة وأنها (أي المدينة) مازالت على عهدها بهذه المنتديات وإنْ اصبحت أقل.
المنتدى يجعلك في قلب عدن، فالناس يجتمعون فيه ليلاقوا أرواحهم في زحمة الحياة. تجد هنا الأستاذ الجامعي والمبدع والعامل والضابط والصحفي والناس بمختلف أشكالهم، وأنت القادم من بعيد المغمور بالترحاب والطيبة.
مقعد السياسة في هذه المنتديات ليس خالياً، لكن بإمكانك مثلاً أن تسأل  من بجوارك عن أحمد قاسم وخليل محمد خليل رائد الاغنية العدنية أو عن صناعة الفرح والزهو التي تحدث عنها أستاذ الفلسفة جمال السيد. وبإمكانك ايضاً أن تشاهد الحاضرين يحتفلون بأصالة بصوتهم العتيق الذي لا يكفون عن الاحتفاء به في عيد ميلاده ويقدمون له الهدايا ويتحدثون عن إبداعه.
 يواصل الستيني غناءه ولا يكف محبوه عن الترديد في لحظة طرب خالصة، وأسال نفسي عن علاقة الفن بالحياة.. الحياة التي تكاد تخبو في دهاليز السياسة المعتمة.
أعود مغموراً بهوى عدني خالص وأردد: «ووجدت نفسي هكذا أهوى وأهوى».