عن تبرير القبح

محمد الغباري يكتب عن تبرير القبح

اجتهد الكثير من المواقع الإخبارية في تقديم المبررات التافهة لحادثة اختطاف اثنين من الرعايا الهولنديين، هما رجل وزوجته، كما لم تبخل الأجهزة الأمنية بالمساهمة في إنجاح هذه المهمة، لأنها لم تعلن الحادثة حتى الساعات الأولى من صباح أمس، وكأن العملية تمَّت في جزر الكاريبي لا في ضواحي العاصمة.
أن يقال إن الخاطفين لم يتمكنوا من الحصول على تعويض مالي، جراء إصابة أقاربهم في حادثة إطلاق نار من قبل نقطة أمنية، أو أن الرئيس لم يف بوعده بإطلاق سراح أفراد من القبيلة الذين أدينوا بجريمة اختطاف مشابهة، فذاك ما يخجل الإنسان من قوله، لأن هذه المطالب حتى وإن كانت عادلة فإنها لا تبرر ارتكاب مثل هذه الجريمة، ولا ينبغي لعاقل أن يسوق المبررات لمثل هذه الأفعال القبيحة.
ليس من المنطق أن يقدم أفراد من بني ضبيان على اختطاف السياح وحتى المواطنين اليمنيين، إذا لم ينصع الجميع لرغباتهم، أو إذا ما تنازع أحدهم مع آخر على مبلغ من المال أو على ملكية أرض قام باختطاف غريمه أو ابنه، أو أي شخص من العائلة؛ لأننا إذا قبلنا بهذا المنطق فإن كل المظلومين أو من لهم حقوق لدى السلطات ملزمون باختطاف الأجانب وأبناء المسؤولين أو أقاربهم حتى يتم الاستجابة لمطالبهم. حادثة الهجوم على السياح الكوريين في حضرموت وجهت ضربة مؤلمة لقطاع السياحة المترنح من آثار الاختطافات والإرهاب. ومع أن العاصفة لم تتوقف، إلا أن البحث عن مبررات وإظهار الخاطفين باعتبارهم مظلومين ومجبرين على تلك الأفعال سيحول البلاد إلى غابة، ويمهد لليوم الذي سيتحالف فيه الإرهاب مع الخاطفين من رجال القبائل. الخبير الهولندي وزوجته جاءا للعمل في أبحاث متصلة بالمياه في محافظة تعز، وقد تركوا وطنهم من أجل أداء واجبهم الإنساني، في حين أن هؤلاء الخاطفين ظهروا مجردين من كل التزام أو مسؤولية، سواء تجاه أنفسهم أم تجاه مواطنيهم. ولم يكونوا لوحدهم كما يتوقع الناس، بل هناك من يتبرع ليسوق تبريرات سخيفة لفعل شنيع، لأن القول بأن الفقر سبب لكثرة الاختطاف لا يستند إلى دليل أو حجة لأن معظم اليمنيين فقراء، كما أن هذا القول يبدو كما لو أنه يبيح للقادر أن يأكل المستضعف.
القوة التي وجهت نحو الخارجين على القانون في جعار ينبغي أن توجه أيضا نحو الخاطفين، لأن المراضاة ودفع الفدية قد فتح الشهية أمام محترفي الخطف. كما أن دخول السفارات الغربية على خط المفاوضات ودفع الرشاوى للخاطفين سيعزز أعمال القرصنة البرية وسيقضي على كل مقومات السياحة، وسيزيد الوضع الاقتصادي سوءا فوق سوئه.
لا أعرف الفائدة المرجوة من سياسة المهادنة والاسترضاء، ولا أدري إلى متى سيبقى اليمنيون يتفرجون على وطنهم وهو يدمر، لمجرد أن هذه الجماعة تعتقد أنها فوق النظام والقانون. ولا أعلم لماذا تشجع أو تتغاضى السلطات عن أعمال النهب للأراضي في الحديدة وعدن ولحج وإب وغيرها، لمجرد أن الناس هناك مسالمون وقد ألفوا الحياة المدنية، في حين أن النهابة هم من "حمران العيون"، الذين يمنحون الرتب العسكرية والاعتمادات لمجرد انتماءاتهم القبلية!
هل المطلوب اليوم هو تشجيع الناس على العنف حتى يخشاهم الآخرون وتتوقف عملية النهب!؟ وهل بقي لنا من رهان لمواجهة الوضع الاقتصادي غير السياحة، فيما هذا القطاع يدمر كل يوم!؟...
malghobariMail